بمكة لأجل قضاء نسكهم، ويزدحمون فيها، ولذلك سميت بمكة؛ لأن الناس يتباكون فيها، أي يزدحمون، ويدفع بعضهم بعضاً، فلو مَنَعَ المصلي من يجتاز بين يديه لضاق على الناس.
وحكم الحرم كله حكم مكة في هذا؛ بدليل ما روى ابن عباس؛ قال: أقبلت راكباً على حمار أتان، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار. متفق عليه. ولأن الحرم كله محل المشاعر، والمناسك، فجرى مجرى مكة في ما ذكرناه. اهـ كلام ابن قدامة رحمه الله تعالى (١).
وقال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في "صحيحه": "باب السترة بمكة وغيرها" حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن أبي جحيفة، قال:"خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالهاجرة، فصلى بالبطحاء الظهر والعصر ركعتين، ونَصَبَ بين يديه عَنَزَةً، وتوضأ، فجعل الناس يتمسحون بوَضُوئه".
وأراد البخاري -كما قال الحافظ رحمه الله أن ينكت على ترجمة عبد الرزاق المذكورة، وأن الحديث الذي استدل به ضعيف, للعلة المتقدمة، وأنه لا فرق بين مكة وغيرها في مشروعية السترة، واستدل على ذلك بحديث أبي جحيفة رضي الله عنه. وهذا هو المعروف عند الشافعية، وأنه لا فرق في منع المرور بين يدي المصلي بين مكة وغيرها.