وغزوة تبوك -وتسمى غزوة العسرة- آخر غزوة غزاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنفسه. وقال ابن سعد: خرج إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رجب سنة تسع يوم الخميس، قالوا: بلغه -صلى الله عليه وسلم- أن الروم قد جمعت جموعًا كثيرة بالشام، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأجلبت لَخْم، وجُذَام، وعاملة، وغسان، وقَدَّمُوا مقدماتهم إلى البَلْقاء، فَنَدَبَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس إلى الخروج، وأعلمهم بالمكان الذي يريد ليتأهبوا لذلك، وذلك في حرٍّ شديد، واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة، وهو أثبت عندنا. وقال أبو عمر: الأثبت عندنا علي ابن أبي طالب رضي الله عنه.
وقال ابن سعد: فلما سار تخلف ابن أبَيّ، ومن كان معه، فقدم -صلى الله عليه وسلم- تبوك في ثلاثين ألفًا من الناس، وكانت الخيل عشرة آلاف، وأقام بها عشرين يومًا يقصر الصلاة، ولحقه بها أبو ذر، وأبو خيثمة، ثم انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يلق كيدًا، وقَدِمَ في شهر رمضان سنة تسع. وقال ابن الأثير في كتاب الصحابة عن أبي زرعة الرازي: شهد معه تبوك أربعون ألفًا. وفي كتاب الحاكم عن أبي زرعة: سبعون ألفًا. ويجوز أن يكون عد مرة المتبوع، ومرة التابع.
وقال البيهقي: وقد رُوِي في سبب خروجه -صلى الله عليه وسلم- إلى تبوك، وسبب رجوعه خبر إن صح. ثم ذكر من حديث شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم أن اليهود أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: يا أبا القاسم إن كنت صادقًا أنك نبي فالْحَقْ بالشام، فإنها أرض المحشر، وأرض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فصَدَّقَ ما قالوا، فغزا غزوة