صيغة ماض، منْ الإكثار: أي أنه قد أكثر التعوّذ منْ المغرم والمأثم، ولازمه أنه يستعيذ منهما كثيراً، ولا يلزم أن يكون تعوّذه منهما أكثر منْ تعوّذه منْ الأشياء الأخرى. انتهى.
(مِنَ الْمَغْرَمِ) بفتح، فسكون: قيل: هو مصدر وُضع موضع الاسم، يريد مغرم الذنوب، والمَعاصي. وقيل: المغرم كالغُرْم، وهو الدين، وهذا هو الموافق لآخر الْحَدِيث، والمراد ما استُدين فيما يُكره، أو فيما يجوز، ثم عجز عن أدائه، أما فيما يحتاج إليه، ويقدر عَلَى أدائه، فلا يُستعاذ منه، والحاصل أن المراد هنا هو الدين المفضي إلى المعصية بواسطة العجز عن الأداء. (وَالْمَأْثَمِ)"المأثم" -بفتح الميم، وسكون الهمزة، وفتح المثلثة، آخره ميم-: هو الأمر الذي يأثم به الإنسان، أو هو الإثم نفسه. قالت عائشة رضي الله تعالى عنها (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَكْثَرَ مَا تَتَعَوّذُ مِنَ الْمَغْرَمِ؟) بفتح الراء منْ "أكثر" عَلَى التعجّب، و"ما" مصدريّة، كأنها تعجّبت لأجل أن الدين يكرهه منْ يحبّ التوسّع فِي الدنيا، ولا يرضى بضيق الحال، وليس ذلك منْ صفات الرجال (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (إِنَّهُ) الضمير للشأن (مَنْ غَرِمَ) بكسر الراء، منْ باب تعب (حَدَّثَ فَكَذَبَ) بفتح الذال المعجمة، منْ باب ضرب (وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ) حاصل ما أجابها به أنّ الاستعاذة منه ليس بحب التوسّع، وإنما هو لأجل ما يفضي إليه الدين، منْ الخلل فِي الدين حيث إنه يؤدي إلى الكذب، ووعد الخلف. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
والحديث متّفقٌ عليه، وَقَدْ تقدّم فِي "كتاب الصلاة" ٦٤/ ١٣٠٩ وتقدم شرحه مستوفًى هناك، وكذا بيان مسائله، فراجعه تستفد. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".
…
قَالَ الجامع الفقير إلى مولاه الغنيّ القدير، محمد ابن الشيخ عليّ بن آدم بن موسى الإِتْيُوبيّ الولّويّ، نزيل مكة المكرّمة، عفا الله تعالى عنه وعن والديه ومشايخه آمين:
قد انتهيت منْ كتابة الجزء التاسع والثلاثين منْ شرح سنن الإِمام الحافظ الحجة أبي عبد الرحمن النسائيّ رحمه الله تعالى، المسمّى "ذخيرةَ العُقْبَى فِي شرح المجتبى"، أو "غاية المنى فِي شرح المجتنى".
وذلك بحيّ الزهراء، مخطّط الأمير طلال، فِي مكة المكرمة زادها الله تعالى تشريفًا وتعظيمًا، وجعلني منْ خيار أهلها حيًّا وميتًا، وأعْظِمْ به تكريمًا.