للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وتعقّبه فِي "الفتح"، بأنه لا حجة فيه؛ لأن عدم الذكر لا يستلزم عدم الوقوع، وَقَدْ وقع فِي رواية عطاء عند البخاريّ فِي "الوكالة": "قَالَ: بعنيه، قَالَ: قد أخذته بأربعة دنانير"، قَالَ: فهذا فيه القبول، ولا إيجاب فيه، وفي رواية له فِي "الجهاد": "قَالَ: بل بعنيه، قلت: لرجل عليّ أوقية ذهب، فهو لك بها، قَالَ: قد أخذته"، ففيه الإيجاب والقبول معا، وأبين منها رواية ابن إسحاق، عن وهب بن كيسان، عند أحمد: "قلت: قد رضيت، قَالَ: نعم، قلت: فهو لك بها، قَالَ: قد أخذته، فيستدل بها عَلَى الاكتفاء فِي صيغ العقود بالكنايات. انتهى. "فتح" ٥/ ٦٦٦.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: اشتراط الإيجاب والقبول قول لا دليل عليه، لا منْ الكتاب، ولا منْ السنّة، ولا منْ الإجماع، فالحقّ أن البيع ينعقد بكلّ ما تعارفه النَّاس، منْ الأقوال، أو الأفعال، كالمعاطاة، وَقَدْ تقدّم تحقيق ذلك فِي أوائل "البيوع"، فراجعه تستفد. والله تعالى وليّ التوفيق.

[تكميل]: قَالَ الحافظ رحمه الله تعالى: آل أمرُ جمل جابر -رضي الله عنه- هَذَا؛ لِمَا تقدم له منْ بركة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، إلى مآل حسن، فرأيت فِي ترجمة جابر -رضي الله عنه- منْ "تاريخ ابن عساكر"، بسنده إلى أبي الزبير، عن جابر -رضي الله عنه-، قَالَ: فأقام الجمل عندي زمانَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأبي بكر، وعمر، فعجز، فأتيت به عمر -رضي الله عنه-، فعرف قصته، فَقَالَ: اجعله فِي إبل الصدقة، وفي أطيب المراعي، ففعل به ذلك، إلى أن مات. انتهى "فتح" ٥/ ٦٦٦. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فِي بيان اختلاف الروايات فِي وقوع الاشتراط فِي قصّة بيع جمل جابر -رضي الله عنه- المذكورة:

قَالَ البخاريّ رحمه الله تعالى: الاشتراط أكثر وأصح عندي: أي أكثر طرقا، وأصح مخرجا، وأشار بذلك إلى أن الرواة اختلفوا عن جابر، فِي هذه الواقعة، هل وقع الشرط فِي العقد عند البيع، أو كَانَ ركوبه للجمل بعد بيعه إباحةً منْ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بعد شرائه، عَلَى طريق العارية، وأصرح ما وقع فِي ذلك رواية النسائيّ منْ طريق ابن عُيينة، عن أيوب، بلفظ: وَقَدْ أعرتك ظهره إلى المدينة"، لكن اختلف فيها حماد بن زيد، وسفيان ابن عيينة، وحماد أعرف بحديث أيوب، منْ سفيان.

والحاصل أن الذين ذكروه بصيغة الاشتراط أكثر عددا، منْ الذين خالفوهم، وهذا وجه منْ وجوه الترجيح، فيكون أصح، ويترجح أيضا بأن الذين رووه بصيغة الاشتراط، معهم زيادة، وهم حفاظ، فتكون حجة، وليست رواية منْ لم يذكر الاشتراط، منافية لرواية منْ ذكره؛ لأن قوله: "لك ظهره، وأفقرناك ظهره، وتبلغ عليه"، لا يمنع وقوع