وَقَدْ خالف فِي ذلك قومٌ، وقصروا الإباحة عَلَى الكلاب خاصّةً، ومنهم منْ يستثني الكلب الأسود، وهو الحسن، والنخعيّ، وقتادة؛ لأنه شيطانٌ، كما قَالَ النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم، متمسّكين بقوله تعالى:{مُكَلِّبِينَ}، وبأنه ما وقع فِي "الصحيحين" إلا ذكر الكلاب. وهذا لا حجّة لهم فيه؛ لأن ذكر الكلاب فِي هذه المواضع إنما كَانَ لأنها الأغلب والأكثر، وأيضًا فإن ذكرها خصوصًا لا يدلّ عَلَى أن غيرها لا يُصاد بها؛ لأن الكلب لقبٌ، ولا مفهوم للّقب عبد جماهير المحقّقين منْ الأصوليين، ولم يصر إليه إلا الدّقّاق، وليس هو فيه عَلَى توفيق، ولا وفاق، ولو صحّ زعمه ذلك لكفر منْ قَالَ: عيسى رسول الله، فإنه كَانَ يلزم منه بحسب زعمه، أن محمدًا وغيره منْ الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- ليس رسولًا. انتهى كلام القرطبيّ (١).
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي ما ذهب إليه الجمهور منْ جواز الاصطياد بكل حيوان يقبل التعليم هو الأرجح؛ لظهور مُدركه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي اشتراط التسمية عَلَى الكلاب، والذبيحة: قَالَ الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى فِي "تفسيره" ٢/ ١٧٠ - عند تفسير قوله:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} الآية [الأنعام: ١٢١]-: ما حاصله:
قد اختلف الأئمة رحمهم الله فِي هذه المسألة عَلَى ثلاثة أقوال: فمنهم منْ قَالَ: لا تحل هذه الذبيحة بهذه الصفة، وسواء متروك التسمية عمدا، أو سهوا، وهو مروي عن ابن عمر، ونافع مولاه، وعامر الشعبي، ومحمد بن سيرين، وهو رواية عن الإمام مالك، ورواية عن أحمد بن حنبل، نصرها طائفة منْ أصحابه المتقدمين والمتأخرين، وهو اختيار أبي ثور، وداود الظاهري، واختار ذلك أبو الفتوح، محمد بن محمد بن علي الطائي، منْ متأخري الشافعية، فِي كتابه "الأربعين"، واحتجوا لمذهبهم هَذَا بهذه الآية، وبقوله فِي آية الصيد:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ}، ثم قد أكد فِي هذه الآية بقوله:{وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}، والضمير قيل: عائد عَلَى الأكل، وقيل: عائد عَلَى الذبح لغير الله، وبالأحاديث الواردة فِي الأمر بالتسمية عبد الذبيحة والصيد، كحديثي عدي بن حاتم، وأبي ثعلبة رضي الله تعالى عنهما:"إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه، فكل ما أمسك عليك"، وهما فِي "الصحيحين"، وحديث رافع بن خديج -رضي الله عنه-: "ما أنهر الدم، وذُكر اسم الله عليه فكلوه"، وهو فِي "الصحيحين" أيضا،