وَقَالَ ابن قُدامة رحمه الله تعالى: ما حاصله: لا خلاف فِي أعتبار كون الجارح معلّمًا؛ لأن الله تعالى يقول:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} الآية [المائدة: ٤]، ولحديث عديّ بن حاتم، وأبي ثعلبة الخشنيّ رضي الله تعالى عنهما:"إذا أرسلت كلبك المعلّم … " الحديث. قَالَ: ويُعتبر فِي تعليمه ثلاثة شروط، إذا أرسله استرسل، وإذا زجره انزجر، وإذا أمسك لم يأكل، ويتكرّر هَذَا منه مرّةً أخرى، حَتَّى يصير معلّمًا فِي حكم العرف، وأقلّ ذلك ثلاث. قاله القاضي. وهو قول أبي يوسف، ومحمد، ولم يُقدّر أصحاب الشافعيّ عدد المرّات؛ لأن التقدير بالتوقيف، ولا توقيف فِي هَذَا، بل قدره بما يصير به فِي العرف معلّمًا. وحُكي عن أبي حنيفة أنه إذا تكرّر مرّتين، صار معلّمًا؛ لأن التكرار يحصل بمرّتين. وَقَالَ الشريف أبو جعفر، وأبو الخطّاب: يحصل ذلك بمرّة، ولا يُعتبر التكرار؛ لأنه تعلّم صنعة، فلا يُعتبر فيه التكرار، كسائر الصنائع.
وحجة القول الأول أن تركه للأكل يحتمل أن يكون لشِبَع، ويحتمل أنه تعلّم، فلا يتميّز ذلك إلا بالتكرار، وما اعتُبر فيه التكرار اعتُبر ثلاثًا، كالمسح فِي الاستجمار، وعدد الأقراء، والغسلات فِي الوضوء، ونحوها، ويفارق الصنائع، فإنها لا يتمكّن منْ فعلها إلا منْ تعلّمها، فإذا فعلها عُلم أنه قد تعلّمها، وعرفها، وتركُ الأكلِ ممكن الوجود منْ المتعلّم وغيره، ويوجد منْ الصنفين جميعًا، فلا يتميّز به أحدهما منْ الآخر