للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَلَمْ يَخْرُجُوا. انتهى (١).

وَقَالَ فِي "الفتح" أيضاً فِي "كتاب الأحكام": قوله: "لو دخلوها ما خرجوا منها" قَالَ الدَّاوُدِيُّ: يُرِيد تِلْكَ النَّار؛ لِأَنَّهُمْ يَمُوتُون بتَحْرِيقِهَا، فَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا أَحْيَاء، قَالَ: وَلَيْسَ الْمُرَاد بِالنَّارِ نَار جَهَنَّم، وَلَا أَنَّهُمْ مُخَلَّدُونَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيث الشَّفَاعَة: "يَخرُج منْ النَّار مَن كَانَ فِي قَلْبه مِثْقَال حَبَّة منْ إِيمَان"، قَالَ: وَهَذَا منْ الْمَعَارِيض الَّتِي فِيهَا مَنْدُوحَة. يُرِيد أَنَّهُ سِيقَ مَسَاق الزَّجْر وَالتَّخْوِيف؛ ليَفْهَمَ السَّامِع أَنَّ مَن فَعَلَ ذَلِكَ خُلِّدَ فِي النَّار، وَلَيسَ ذَلِكَ مُرَادًا، وَاِنَّمَا أُرِيدَ بهِ الزَّجْر وَالتَّخْوِيف.

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّه لَمْ يَقْصِد دُخُولهمْ النَّار حَقِيقةً، وَانَّمَا أَشَارَ لَهُمْ بذَلِكَ إِلَى أَنَّ طَاعَة الأمِير وَاجِبَة، وَمَن تَرَكَ الْوَاجب دَخَلَ النَّار، فَإِذَا شَقَّ عَلَيكُمْ دُخُولَ هَذِهِ النَّار، فَكَيف بِالنَّارِ الْكُبْرَى، وَكَأَنَّ قَصْده أَنَّهُ لَوْ رَأَى مِنْهُمْ الْجِدّ فِي وُلُوجهَا لَمَنَعَهُمْ. انتهى (٢).

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: أحسن التأويلات عندي ما استظهره الحافظ فيما سبق، منْ أنه صلّى الله تعالى عليه وسلم إنما أخبرهم بأنهم لو دخلوها ظانين بأن طاعة أميرهم يُنجيهم منها، وأنها لا تضرّهم، لما نفعهم ذلك، بل يحترقون، ويموتون، فلا يرجعون إلى الدنيا إلى يوم القيامة. والله تعالى أعلم.

(وَقَالَ لِلآخَرِينَ: "خَيْرًا") أي أثنى عَلَى الذين قالوا: إنما فررنا منها، حيث إنهم أصابوا الحقّ. (وَقَالَ أَبُو مُوسَى) هو محمد بن المثنّى شيخه الأول (فِي حَدِيثِهِ: "قَوْلًا حَسَنًا") أي بدل قول محمد بن بشّار: "خيرًا" (وَقَالَ) صلّى الله تعالى عليه وسلم (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) وفي حديث أبي سعيد: "منْ أمركم منهم بمعصية، فلا تطيعوه". قَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: "إنما" هذه للتحقيق والحصر، فكأنه قَالَ: لا تكون الطاعة إلا فِي المعروف، ويعني بالمعروف هنا ما ليس بمنكر، ولا معصية، فيدخل فيها الطاعة الواجبة، والمندوب إليها، والأمور الجائزة شرعًا، فلو أمر بجائز لصارت طاعته واجبةً، ولَمّا حلّت مخالفته، فلو أمر بما زجر الشرع عنه زجر تنزيه، لا تحريم، فهذا مشكلٌ، والأظهر جواز المخالفة؛ تمسّكًا بقوله: "إنما الطاعة فِي المعروف"، وهذا ليس بمعروف، إلا بأن يخاف عَلَى نفسه منه، فله أن يمتثل. والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ (٣).


(١) "فتح" ٨/ ٣٨٤ "كتاب المغازي" حديث: ٤٣٤٠.
(٢) "فتح" ١٥/ ١٨. "كتاب الأحكام" رقم: ٧١٤٦.
(٣) "المفهم" ٤/ ٤١.