اللَّه تعالى عليه وسلم - بقتله (جَاءَ بِهِ) أي جاء عثمان بعبد اللَّه بن أبي سرح (حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، قال) عثمان (يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَايعْ عَبْدَ اللَّهِ) أي ابن أبي سرح (قَالَ فَرَفَعَ) - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - (رَأْسَهُ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا) أي فعل ذلك ثلاث مرّات (كُلَّ ذَلِكَ) منصوب على الظرفية، متعلّق بـ (يَأْبَي) أي يمتنع النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - في كلّ مرّة من المرّات الثلاث أن يبايع ابن أبي سرح؛ لعظم جريمته؛ لأنه كان كاتب الوحي، فسيأتي للمصنّف في الباب التالي، عن ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما -، أن عبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح، كان يكتب لرسول اللَّه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -، فأزلّه الشيطان، فلحق بالكفّار الحديث.
وذكر ابن عبد البرّ -رحمه اللَّه تعالى- في "الاستيعاب" أنه أسلم قبل الفتح، وهاجر، وكان يكتب الوحي لرسول اللَّه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -، ثم ارتدّ مشركًا، وصار إلى قريش بمكة، فقال لهم: إني كنت أصرّف محمدًا حيث أريد، كان يُملي عليّ:"عزيز حكيم"، فأقول: أو عليم حكيم، فيقول: نعم، كلٌّ صواب، فلما كان يوم الفتح أمر رسول اللَّه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - بقتله" (١)(فَبَايَعَهُ) - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - (بَعْدَ ثَلاثٍ) أي بعد مرّات، لا بعد ثلاث ليال (ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: "أَمَا) بفتح الهمزة، وتخفيف الميم-: أداة استفتاح، وتنبيه، مثلُ "ألا"(كَانَ فِيكُم رَجُلٌ رَشِيدٌ) الرُّشدُ: الصلاح، وهو خلاف الغَيّ والضلال، وهو إصابة الصواب، يقال: رشِد رَشَدًا، من باب تَعِبَ، ورَشَدَ يَرْشُدُ، من باب قتل، فهو راشدٌ، والاسم الرَّشَاد، ويتعدّى بالهمز. قاله الفيّوميّ. والمعنى هنا: رجلٌ فطنٌ لصواب الحكم (يقُومُ إِلَى هَذَا، حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ) من باب نصر: أي منعت (يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ، فَيَقْتُلُهُ؟ ") فيه أنه إنما أمهله، وامتنع ثلاث مرّات لأجل ذلك، فقد أخرج ابن سعد عن ابن المسيّب، قال: كان رجل من الأنصار نذر إن رأى ابن أبي سَرْح أن يقتله.
(فَقَالُوا: وَمَا يُدْرِينَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ، هَلَّا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ؟) أي أشرت إلينا بأن نقتله (قال: "إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ، أَنْ يَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ أَعْيُنٍ) أي أن يُضمر في نفسه غير ما يُظهره للناس، فإن كفّ لسانه، وأومأ بعينه إلى ذلك، فقد خان، ولكون ظهور تلك الخيانة من قِبَل العين سُمّيت خائنة الأعين، ومنه قوله تعالى:{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ}[غافر: ١٩]: أي ما يخونون فيه من مسارقة النظر إلى ما لا يحلّ، والخائنة