للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الثَّانِي، وَهُوَ مِنْ قَوْل الثَّنَوِيَّةِ فِي النُّور وَالظُّلمَة، إِلاَّ أَنَّهُمْ غَيَّرُوا الِاسْمَيْنِ، قَالَ: وَلَهُمْ مَقَالَات سَخِيفَة فِي النُّبُوَّات، وَتَحْرِيف الآيَات، وَفَرَائِض الْعِبَادَات. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ سَبَب تَفْسِير الْفُقَهَاء الزِّنْدِيق، بِمَا يُفَسَّر بِهِ الْمُنَافِقُ، قَوْلُ الشَّافِعِيّ فِي "المُخْتَصَر": وَأَيّ كُفْر ارْتَدَّ إِلَيْهِ، مِمَّا يُظْهِر أَوْ يُسِرّ منْ الزَّنْدَقَةِ، وَغَيْرهَا، ثُمَّ تَابَ، سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْل. وَهَذَا لَا يَلْزَم مِنْهُ اتِّحاد الزِّنْدِيق وَالْمُنَافِق، بَلْ كُلّ زِنْدِيق مُنَافِق، مِنْ غَيْر عَكْس، وَكَانَ مَنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة، الْمُنَافِق يُظْهِر الإسْلام، وَيُبْطِن عِبَادَة الْوَثَن، أَوْ الْيَهُودِيَّة، وَأَمَّا الثَّنَوِيَّة، فَلَا يُحْفَظ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَظْهَرَ الإسْلام، فِي الْعَهْد النَّبَوِيّ. وَاللَّه أَعْلَمُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّقَلَة، فِي الَّذِينَ وَقَعَ لَهُمْ، مَعَ عَلِيّ مَا وَقَعَ، عَلَى مَا تقدّم بيانه.

وَاشْتَهَرَ فِي صَدْر الإسْلَام الْجَعْد بْن دِرْهَم، فَذَبَحَهُ خَالِد الْقَسْريّ، فِي يَوْم عِيد الَأضْحَى، ثُمَّ كَثُرُوا فِي دَوْلَة الْمَنْصُور، وَأَظْهَرَ لَهُ بَعْضهمْ مُعْتَقَده، فَأَبَادَهُم بِالْقَتْلِ، ثُمَّ ابْنه الْمَهْدِيّ، فَأَكْثَرَ فِي تَتَبُّعهمْ وَقَتْلهمْ، ثُمَّ خَرَجَ فِي أَيَّام الْمَأْمُون بَابَك- بِمُوَحَّدتَيْنِ مَفْتُوحَتَينِ، ثُمَّ كَاف مُخَفَّفَة- الْخُرَّمِيّ (١) -بِضَمِّ الْمُعْجَمَة، وَتَشْدِيد الرَّاء- فَغَلَبَ عَلَى بِلاد الْجَبَل، وَقَتَلَ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَهَزَمَ الْجُيُوش، إِلَى أَنْ ظَفِرَ بِهِ الْمُعْتَصِم، فَصَلَبَهُ، وَلَهُ أَتْبَاع، يُقَال لَهُمْ: الْخُرَّمِيَّة، وَقِصَصهمْ في التَّوَارِيخ مَعْرُوفَة. انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: سيأتي اختلاف العلماء، هل يُستتاب الزنديق، أم يقتل بدون استتابة؟، في الباب التاليّ، إن شاء اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٤٠٦٣ - (أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ, قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ, قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ, قَالَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ, عَنْ مَعْمَرٍ, عَنْ أَيُّوبَ, عَنْ عِكْرِمَةَ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد كلهم رجال الصحيح، وتقدّموا.

و"محمد بن بكر": هو الْبُرْسانيّ، أبو عثمان البصريّ. و"إسماعيل": هو ابن عُليّة،


(١) "الْخُرَّميّ" بضمّ الخاء المعجمة، وتشديد الراء المفتوحة، وكسر الميم: هذه النسبة إلى طائفة من الباطنيّة، وإلى جدّ المنتسب إليه، فأما الباطنيّة، فإنما قيل لهم الخرمدينيّة؛ لإباحتهم الحرمات، من شرب الخمر، والزنا، وغير ذلك، مما يتلذّذون به، فلما شابهوا بهذه الإباحة المزدكيّة من المجوس الذين خرجوا أيام قباذ، وأباحوا النساء، والمحرّمات، وقتلهم أنو شروان، قيل لهم: الخرمدينية؛ لأن المزدكيّة، كانوا يقال لهم هذا اللقب أيضًا.
وأما النسبة إلى الجدّ، فهو الحسين بن إدريس الأنصاريّ الخرّميّ المعروف بابن خرّم. انتهى "اللباب في تهذيب الأنساب" ١/ ٤٣٦ - ٤٣٧، و"الأنساب" ٢/ ٣٥٢.
(٢) "فتح" ١٤/ ٢٧١ - ٢٧٢. "كتاب استتابة المرتدّين".