للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: أشار المصنف -رحمه اللَّه تعالى- بالترجمة التي بعد هذه، حيث قال: "باب بركة الخيل" إلى أن الشؤم المذكور في حديث الباب، إنما هو في بعض الخيل، دون بعض، وهذا من دقيق فهمه، ونظره -رحمه اللَّه تعالى-، وسيأتي قريبًا بيان اختلاف أهل العلم في معنى الشؤم في الأشياء الثلاثة المذكورة في الحديث، ولكن أذكر هنا ما أراه راجحًا عندي تقريبًا للاستفادة، وهو ما قاله أبو العبّاس القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- في "المفهم"، مرجحًا حمل الإمام مالك -رحمه اللَّه تعالى- الحديث على ظاهره، حيث قال:

وقال أبو عبد اللَّه: إن مالكًا أخذ بحديث الشؤم في الدار، والمرأة، والفرس، وحمله على ظاهره، ولم يتأوله، فذكر في "كتاب الجامع" من "العتبيّة" أنه قال: ربّ دار سكنها قومٌ، فهلكوا، وآخرون بعدهم، فهلكوا، وأشار إلى حمل الحديث على ظاهره،

ويعضد هذا حديث يحيى بن سعيد، قال: جاءت امرأةٌ إلى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقالت: يا رسول اللَّه، دار سكنّاها، والعدد كثير، والمال وافر، فذهب العدد، وقلّ المال، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "دعوها ذَمِيمة" (١).

قال القرطبيّ: ولا يُظنّ بمن قال هذا القول: أن الذي رُخّص فيه من الطيرة بهذه الأشياء الثلاثة هو على نحو ما كانت الجاهليّة تعتقد فيها، وتفعل عندها، فإنها كانت لا تُقدِم على ما تطيّرت به، ولا تفعله بوجهِ، بناءً على أن الطيرة تضرّ قطعًا، فإن هذا ظنّ خطأ، وإنما يعني بذلك أن هذه الأشياء أكثر ما يتشاءم الناس بها؛ لملازمتهم إياها، فمن وقع في نفسه شيء من ذلك، فقد أباح الشرع له أن يتركه، ويستبدل به غيره، مما تطيب به نفسه، ويسكن له خاطره، ولم يُلزمه الشرع أن يُقيم في موضع يكرهه، أو مع امرأة يكرهها، بل قد فسح له في ترك ذلك كلّه، لكن مع اعتقاد أن اللَّه تعالى هو الفغال لما يُريد، وليس لشيء من هذه الأشياء أثرٌ في الوجود، وهذا على نحو ما ذكرناه في المجذوم.


(١) الحديث بهذا السند ليس متصلًا، وقد أخرجه البيهقيّ -٨/ ١٤٠ - بإسناد صحيح، عن عبد اللَّه بن شدّاد بن الهاد أن امرأة من الأنصار، قالت: يا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، سكنا دارنا هذه، ونحن كثير، فهلكنا، وحسنٌ ذات بيننا، فساءت أخلاقنا، وكثيرٌ أموالنا، فافتقرنا، فقال: "أفلا تنتقلون عنها ذميمة"، قالت: فكيف نصنع بها يا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -؛، قال: "تبيعونها، أو تهبونها". قال البيهقيّ: هذا مرسل. وتعقّبه ابن التركماني، فقال: هذه المرأة صحابيّة، وابن شداد سمع جماعة من قدماء الصحابة، كعمر، وعليّ، ومعاذ - رضي اللَّه عنهم -، وقولهم: إن فلانا قال: كذا، كالعنعنة عند جماهير أهل الحديث، فالحديث إذًا مرفوع انتهى. ٨/ ١٤٠.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله ابن التركماني هو الصواب، فالحديث متّصل صحيح. واللَّه تعالى أعلم.