والدقيق على عهد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - حتى نهى عنه عمر". قال البيهقيّ: إنما نهى عمر عن النكاح إلى أجل، لا عن قدر الصداق. وهو كما قال. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة التاسعة): أن فيه دليلاً للجمهور لجواز النكاح بخاتم الحديد، وما هو نظير قيمته. قال ابن العربيّ من المالكيّة كما تقدّم: لا شكّ أن خاتم الحديد لا يساوي ربع دينار، وهذا لا جواب عنه لأحد، ولا عذر فيه. وانفصل بعض المالكيّة عن هذا الإيراد مع قوّته بأجوبة:
[منها]: أن قوله: "ولو خاتما من حديد" خرج مخرج المبالغة في طلب التيسير عليه، ولم يُرد عين الخاتم الحديد، ولا قدر قيمته حقيقةً؛ لأنه لما قال: لا أجد شيئًا عرف أنه فهم أن المراد بالشيء ما له قيمةٌ، فقيل له: ولو أقلّ ما له قيمةٌ كخاتم الحديد، ومثله: "تصدّقوا، ولو بظلف مُحْرَق، ولو بِفِرْسن شاة"، مع أن الظلف والفرسن لا يُنتفع بهما، ولا يُتصدّق بهما.
[ومنها]: احتمال أنه طلب منه ما يعجل نقده قبل الدخول، لا أن ذلك جميع
الصداق. وهذا جواب ابن القصّار، وهذا يلزم منه الردّ عليهم حيث استحبوا تقديم ربع دينار، أو قيمته قبل الدخول، لا أقلّ.
[ومنها]: دعوى اختصاص الرجل المذكور بهذا القدر، دون غيره. وهذا جواب الأبهري. وتُعُقّب بأن الخصوصية تحتاج إلى دليلٍ خاصّ.
[ومنها]: احتمال أن تكون قيمته إذ ذاك ثلاثة دراهم، أو ربع دينار. وقد وقع عند الحاكم، والطبرانيّ من طريق الثوريّ، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد: "أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - زوّج رجلاً بخاتم من حديد، فصّه فضّة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة العاشرة): أنه استدلّ به على جواز جعل المنفعة صداقًا، ولو كان تعليم القرآن. قال المازريّ: هذا ينبني على أن الباء للتعويض، كقولك: بعتك ثوبي بدينار، وهذا هو الظاهر، وإلا فلو كانت بمعنى اللام على معنى تكريمه؛ لكونه حاملاً للقرآن لصارت المرأة بمعنى الموهوبة، والموهوبة خاصّة بالنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - انتهى. وانفصل الأبهريّ، وقبله الطحاويّ، ومن تبعهما، كأبي محمد بن أبي زيد عن ذلك بأن هذا خاصّ بذلك الرجل؛ لكون النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - كان يجوز له نكاح الواهبة، فكذلك يجوز له أن يُنكحها لمن شاء بغير صداق، ونحوه للداودي، وقال: إنكاحها إياه بغير صداق لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم. وقوّاه بعضهم بأنه لما قال له:"ملّكتكها" لم يشاورها، ولا استأذنها. وهذا ضعيف لأنها هي أوّلاً فوّضت أمرها إلى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -كما تقدّم في رواية الباب "فَرَ رأيك"،