٢٨٩٣ - (أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ, قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ, عَنْ عَمْرٍو, عَنْ عِكْرِمَةَ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - قَالَ: «هَذِهِ مَكَّةُ, حَرَّمَهَا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-, يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ, لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي, وَلَا لأَحَدٍ بَعْدِي, وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ, وَهِيَ سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ بِحَرَامِ اللَّهِ, إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ, لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا, وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا, وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا, وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا, إِلاَّ لِمُنْشِدٍ» , فَقَامَ الْعَبَّاسُ -وَكَانَ رَجُلاً مُجَرِّبًا- فَقَالَ: إِلاَّ الإِذْخِرَ, فَإِنَّهُ لِبُيُوتِنَا, وَقُبُورِنَا, فَقَالَ: «إِلاَّ الإِذْخِرَ»).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد رجال الصحيح، غير شيخه سعيد ابن عبد الرحمن المخزوميّ المكيّ، فقد تفرّد به هو، والترمذيّ، وهو ثقة. و"سفيان": هو ابن عيينة. و"عمرو": هو ابن دينار.
وقوله: "وهي ساعتي هذه"، وفي "الكبرى": "وهي من ساعتي هذه"، بزيادة "من". وقوله: "بحرام اللَّه" أي بتحريمه، لا بتحريم أحد من الخلق.
وقوله: "لا يُختلى" بالبناء للمفعول، وكذا الفعلان بعده، ومعنى: "لا يُختَلَى": لا يُجَزّ، ولا يُقطع خلاها، وهو ما كان رَطَبًا من الكلإ. ومعنى: "لا يُعضد": لا يُقطع. ومعنى: "يُنفّر": يُشَرّد.
وقوله: "ولا تحلّ لقطتها" بالبناء للفاعل، و"اللُّقَطَة" -بضمّ، ففتح- وزانُ رُطَبَة: ما الْتُقِطَ من مالٍ ضائع. قال الأزهريّ: اللُّقَطة بفتح القاف: اسم الشيء الذي تجده مُلْقًى، فتأخذه، قال: وهذا قول جميع أهل اللغة، وحُذاقِ النحويين. وقال الليث: هي بالسكون، ولم أسمعه لغيره، واقتصر ابن فارس، والفارابيّ، وجماعة على الفتح، ومنهم من يَعُدّ السكون من لَحْن العوامّ، ووجه ذلك أن الأصل لُقَاطة، فثقُلَت عليهم؛ لكثرة ما يلتقطون في النهب، والغارات، وغير ذلك، فتلعّبت بها ألسنتهم اهتمامًا بالتخفيف، فحذفوا الهاء مرّة، وقالوا: لُقَاطٌ، والألف أُخرى، وقالوا: لُقَطَة، فلو أُسكن اجتمع على الكلمة إعلالان، وهو مفقود في فصيح الكلام، وهذا وإن لم يذكروه، فإنه لا خفاء به عند التأمل لأنهم فسّروا الثلاثة بتفسير واحد. أفاده الفيّوميّ.
وقوله: "وكان رجلاً مجرّبًا" أي كان ذا تجربة للأمور، فلذا طلب من النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أن يستثني الإذخير؛ لمعرفته شدة حاجة الناس إليه.
[تنبيه]: وقع في بعض النسخ "مجريا" بالجيم آخره ياء بدل "مجرِّبًا" وهو تصحيف، ووقع في "الكبرى": "محرمًا" بالحاء المهملة بدل الجيم، آخر ميم، وهو تصحيف أيضًا.
والحديث متفق عليه، وتقدم تمام شرحه، والكلام على مسائله في ١١٠/ ٢٨٧٤ - واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.