للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

حاجا أو معتمرًا"، أخرجه البيهقيّ، فتبيّن بهذا أن الشكّ فيه من أبي عوانة، وقد جزم يحيى بن أبي كثير بأن ذلك كان في عِمرة الحديبية، وهذا هو المعتمد انتهى (١).

(حَتَّى إِذَا كانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَةَ، تخَلَّفَ) أي تأخّر أبو قتادة بأمر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - له بذلك (مَعَ أَصْحَاب لَهُ مُحْرِمِينَ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ) أي والحال أن أبا قتادة غير محرم. وفي رواية للبخارَيّ من طريق عبد اللَّه بن أبيَ قتادة، عن أبيه: أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - خرج حاجا، فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم، فيهم أبو قتادة، فقال: "خذوا ساحل البحر، حتى نلتقي"، فأخذوا ساحل البحر، فلما انصرفوا أحرموا كلهم، إلا أبو قتادة … الحديث.

وحاصل القصّة أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لما خرج في عمرة الحديبية، فبلغ الرَّوْحاء -وهي من ذي الحليفة على أربعة وثلاثين ميلاً- أخبروه بأن عدوًّا من المشركين بوادي غَيقة (٢)، يُخشى منهم أن يقصدوا غرّته، فجهّز طائفة من أصحابه، فيهم أبو قتادة إلى جهتهم ليأمن شرّهم، فلما أمنوا ذلك لحق أبو قتادة، وأصحابه بالنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فأحرموا، إلا هو، فاستمرّ هو حلالاً؛ لأنه إما لم يجاوز الميقات، وإما لم يقصد العمرة. وبهذا يرتفع الإشكال الذي ذكره الأثرم، قال: كنت أسمع أصحابنا يتعجّبون من هذا الحديث، ويقولون: كيف جاز لأبي قتادة أن يجاوز الميقات، وهو غير محرم؟، ولا يدرون ما وجهه. قال: حتى وجدته في رواية من حديث أبي سعيد، فيها: "خرجنا مع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فأحرمنا، فلما كنا بمكان كذا إذا نحن بأبي قتادة، وكان النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بعثه في وجه … " الحديث، قال: فإذًا أبو قتادة إنما جاز له ذلك لأنه لم يخرج يريد مكة.

قال الحافظ: وهذه الرواية التي أشار إليها تقتضي أن أبا قتادة لم يخرج مع النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - من المدينة، وليس كذلك، لما بيّنّاه.

ثم وجدت في "صحيح ابن حبّان"، والبزّار من طريق عياض بن عبد اللَّه، عن أبي سعيد، قال: "بعث رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أبا قتادة على الصدقة، وخرج رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأصحابه، وهم محرمون، حتى نزلوا بعسفان". فهذا سبب آخر، ويحتمل جمعهما.

والذي يظهر أن أبا قتادة إنما أخّر الإحرام لأنه لم يتحقّق أنه يدخل مكة، فساغ له التأخير.


(١) - "فتح" ٤/ ٤٩٩ - ٥٠٠.
(٢) -بفتح الغين المعجمة، بعدها ياء ساكنة، ثم قاف مفتوحة، ثم هاء، قال السكونيّ: هو ماء لبني غفار، بين مكة والمدينة. وقال يعقوب: هو قليب لبني ثعلبة، يصبّ فيه ماء رضوى، ويصبّ هو في البحر انتهى "فتح" ٤/ ٤٩٢.