للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

واختارها أبو بكر. وهذا قول الحسن، وأبي عُبيد، وأبي حنيفة؛ لأن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أعطى الرجلين الْجَلْدَين، وقال: "إن شئتما أعطيتكما، ولا حظّ فيها لغنيّ، ولا لقويّ مكتسب". وقال للرجل الذي سأله الصدقة: "إن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك". ولو اعتَبَر حقيقةً لما اكتفى لقولهم. ثم ذكر ابن قُدامة حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - المذكور في هذا الباب.

قال: والرواية الثانية: لا يجزئه، وعليه الإعادة؛ لأنه دفع الواجب إلى غير مستحقّه، فلم يخرج من عهدته، كما لو دفعها إلى كافر. وهذا قول الثوريّ، والحسن بن صالح، وأبي يوسف، وابن المنذر، وللشافعيّ قولان كالروايتين انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: القول الأول من قولي الإمام أحمد -رحمه اللَّه تعالى- هو الحقّ عندي؛ لظهور أدلته التي تقدمت آنفًا.

والحاصل أن من دفع زكاته إلى غنيّ، أو نحوه ممن لا يستحقّها، ظانًّا أنه مستحقّها، ثم ظهر بخلافه، سقطت عنه، ولا يلزمه إعادتها، ولكن لو أعادها، كما أعاد الرجل المذكور في حديث الباب، كان حسنًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في بيان مسألة مهمّة تُستفاد من حديث الباب، وهي مسألة "هل شرع مَن قبلنا شرع لنا، أم لا؟ "، وقد اختلف أهل العلم في ذلك، والحقّ -وهو الذي عليه الجمهور، ومنهم الإمام البخاريّ، والمصنّف حيث استدلّا بحديث الباب على ما ترجما له- أنه شرع لنا بشرط أن يُنصّ عليه في شرعنا، وأن لا يأتي في شرعنا ما يخالفه.

وقد ذكر الإمام الزركشيّ -رحمه اللَّه تعالى- في كتابه "البحر المحيط " في أصول الفقه، الخلاف في ذلك، وهاك ملخّصه:

قال -رحمه اللَّه تعالى-: ما مختصره: هل تُعُبّد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعد النبوّة بشرع من قبله، أم كان منهيًّا عنه؟ فيه أربعة مذاهب:

(الأول): أنه لم يكن متعبَّدًا، بل كان منهيًّا عنها، وعليه أكثر المتكلّمين، وجماعة من الشافعيّة، والحنفيّة، واختاره الغزاليّ، وصححه ابن السمعانيّ، والنوويّ، وابن حزم، وغيرهم.

(الثاني): أنه كان مُتعبّدًا باتباعها، إلا ما نُسخ منها، ونقله ابن السمعانيّ عن أكثر الشافعيّة، والحنفيّة، وطائفة من المتكلّمين. وقال ابن القشيريّ: هو الذي صار إليه الفقهاء. وقال سُليم: إنه قول أكثر أصحابنا -الشافعيّة-، واختاره الشيخ أبو إسحاق أوّلًا في "التبصرة"، واختاره ابن بَرْهان، وقال: إنه قول أصحابنا، وحكاه الأستاذ أبو