للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

عنهما جماعة كلهم قد اتفقوا عليه من غير اختلاف بينهم.

ثم ذكر الاختلاف في رواية أبي إسحاق، عن عاصم، عن عليّ - رضي اللَّه عنه -، ثم قال: فحديث أنس لم تختلف الرواية فيه، وحديث عليّ اختلفت الرواية فيه، كما ترى، فالمصير إلى حديث أنس أولى؛ للمعنى الذي ذكرناه، على أن كثيرًا من الحفّاظ أحالوا الغلط في حديث عليّ على عاصم، وإذا تقابلت حجتان، فما سَلِمَ منهما من المعارض أولى، كالبيّنات إذا تقابلت، فإن الحكم فيها كذلك انتهى كلام الحازميّ.

وقال الشافعيّ بعد ذكر رواية شريك، عن أبي إسحاق، موافقًا لحديث أنس كما قدّمنا: وبهذا نقول، وهو موافق للسنّة، وهم -يعني العراقيين- لا يأخذون بهذا، فيخالفون ما روي عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأبي بكر، وعمر، والثابت عن عليّ عندهم إلى قول إبراهيم -النخعيّ- وشيء يغلط به عن عليّ - رضي اللَّه عنه - انتهى.

وقد تصدّى الحنفيّة، وتمحّلوا لإثبات أن رواية سفيان، عن أبي إسحاق، عن عاصم ابن ضمرة، عن عليّ، مسندة مرفوعة. وقد ردّ عليهم ابن حزم، فأجاد، من أحبّ الوقوف عليه رجع إلى "المحلّى" جـ٦ ص ٣٧ - ٣٨ - .

واحتجّوا أيضًا بما رواه الطحاويّ عن خُصَيف، عن أبي عُبيدة، وزياد بن أبي مريم، عن ابن مسعود - رضي اللَّه عنه - قال: "فإذا بلغت العشرين ومائة، استقبلت الفريضة بالغنم، في كلّ خمس شاةٌ، فإذا بلغت خمسًا وعشرين، ففرائض الإبل".

واعترضه البيهقيّ بأنه موقوف، ومنقطع بين أبي عُبيدة، وزياد، وبين ابن مسعود، قال: وخُصيف غير محتجّ به. انتهى (١).

وقال الخطّابيّ -رحمه اللَّه تعالى-: وقال محمد بن جرير الطبريّ: هو مخيّر إن شاء استأنف الفريضة إذا زادت الإبل على مائة وعشرين، وإن شاء أخرج الفرائض لأن الخبرين جميعًا، قد رُويا.

قال الخطابيّ: وهذا قول لا يصحّ؛ لأن الأمة قد فرّقت بين المذهبين، واشتهر الخلاف فيه بين العلماء، فكلّ من رأى استئناف الفريضة لم ير إخراج الفرائض، ومن رأى إخراج الفرائض لم يُجِز استئناف الفريضة، فهما قولان متنافيان. على أن رواية عاصم بن ضمرة عن عليّ - رضي اللَّه عنه - عنه لا تقاوم لضعفها روايةَ حديث أنس، وهو حديث صحيح، ذكره البخاريّ في "جامعه" عن محمد بن عبد اللَّه الأنصاريّ، عن أبيه، عن ثمامة، عن أنس، عن أبي بكر الصدّيق - رضي اللَّه عنهما -، وفي حديث عاصم بن ضمرة كلام


(١) - "معرفة السنن" ج٣ ص ٢٢٤.