سبعمائة ضعف، إلى ما شاء اللَّه، قال اللَّه: إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): اتفقوا على أن المراد بالصيام هنا صيام من سَلِمَ صيامه من المعاصي قولاً وفعلاً.
ونقل ابن العربيّ عن بعض الزهّاد أنه مخصوص بصيام خواصّ الخواصّ، فقال: إن الصوم على أربعة أنواع: صيام العوامّ، وهو الصوم عن الأكل والشرب والجماع. وصيام خواصّ العوامّ، وهو هذا، مع اجتناب المحرّمات، من قول أو فعل. وصيام الخواصّ، وهو الصوم عن غير ذكر اللَّه وعبادته. وصيام خواصّ الخواصّ، وهو الصوم عن غير اللَّه، فلا فطر لهم إلى يوم القيامة. وهذا مقام عال، لكن في حصر المراد من الحديث في هذا النوع نظر لا يَخفى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: بل في كون هذا النوع داخلاً في الحديث المذكور نظر لا يخفى، إذ الصوم الشرعيّ هو الذي نزل القرآن ببيان وقته المحدّد بما بين تبيّن طلوع الفجر الصادق، إلى غروب الشمس، حيث نصّ عليه في قوله -عَزَّ وَجَلَّ-. {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} الآية.
فحيثما ورد فضل الصوم في النصّ فإنما يُراد به هذا النوع، وأما إعراض المرء عن غير اللَّه تعالى، فليس له وقت محدّد، وأيضًا إن أراد بغير اللَّه ما يصدّ عن ذكر اللَّه تعالى، ويَشغل عن طاعته، فإن هذا الإعراض مطلوب محمود شرعًا، ولكن إطلاق الصوم عليه في عرف الشرع محلّ نظر، وإن أراد عدم الالتفات إلى غير اللَّه تعالى أصلاً، سواء كان ذلك أمرًا دينياً أو دنيويا، بحيث إنه لا يلتفت إلى التكاليف الشرعيّة، فلا يصلّي، ولا يصوم، ولا، ولا، لكونه وصل إلى مراده، فهذا ضلال، وزندقة، وإلحاد، فضلاً عن أن يكون مطلوبا للشارع الحكيم جلّ وعلا، فتنبّه، فقد زلّ فيه كثير من جهال العبّاد، فاعتبروا هذا مقامًا شريفًا، وحالا منيفًا، بينما هو الضلال والهلاك. {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): قال الحافظ وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى-:
اختُلف في معنى كون هذا الخلوف أطيب من ريح المسك بعد الاتفاق على أنه سبحانه وتعالى منزّه عن استطابة الروائح الطيّبة، واستقذار الروائح الخبيثة؛ فإن ذلك من