للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

متقدّمًا على الْمُكَفَّرِ. واللَّه تعالى أعلم. انتهى كلام وليّ الدين (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: حاصل ما ذكروه أن اللَّه تعالى إذا وفّق عبده لقيام رمضان إيمانًا واحتسابًا، فإنه يكفّر عنه به الذنوب الماضية، ويكون محفوظا من ارتكاب الذنوب في مستقبله، وإن وقعت منه، فإنها تُكَفَّر بما سبق له من القيام المذكور، وأما أن يكون معصومًا لا يتصوّر منه وقوع معصية، فبعيد.

وهكذا يقال في صيام رمضان إيمانًا واحتسابًا، وفي قيام ليلة ليلة القدر من غير فرق، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): إن قوله: "مَن قام رمضان الخ"، مع قوله الآتي: "مَن قام ليلة القدر الخ"، قد يقال: إن أحدهما يُغني عن الآخر.

وجوابه أن يقال: قيام رمضان من غير موافقة ليلة القدر، ومعرفتها سبب لغفران الذنوب، وقيام ليلة القدر لمن وافقها، وعرفها سبب للغفران، وإن لم يقم غيرها. قاله النوويّ في "شرح مسلم" (٢).

وقال الحافظ وليّ الدين: الأحسن عندي الجواب بأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - ذكر للغفران طريقين: (أحدهما): يمكن تحصيلها يقينًا إلا أنها طويلة شاقّة، وهي قيام شهر رمضان بكماله. (الثاني): لا سبيل إلى اليقين فيها إنما هو الظنّ والتخمين؛ إلا أنها مختصر قصيرة، وهي قيام ليلة القدر خاصّةٌ، ولا يتوقّف حصول المغفرة بقيام ليلة القدر على معرفتها، بل لو قامها غيرَ عارف بها غُفر له ما تقدّم من ذنبه؛ لكن بشرط أن يكون إنما قام بقصد ابتغائها، وقد ورد اعتبار ذلك في حديث عُبادة بن الصامت - رضي اللَّه عنه - عند أحمد، والطبرانيّ، مرفوعًا: "فمن قامها ابتغاءها؛ إيمانًا واحتسابًا، ثم وُفّقت له، غُفر له ما تقدّم من ذنبه، وما تأخّر". قال وليّ الدين:

[فإن قلت]: قد اعتبر شرطًا آخر، وهو أن توفّق له، وكذا في "صحيح مسلم" في رواية: "من يقم ليلة القدر، فوافقها".

قال النوويّ في "شرح مسلم": معنى يوافقها: يعلم أنها ليلة القدر.

[قلت]: إنما معنى توفيقها له، أو موافقته لها أن يكون الواقع أن تلك الليلة التي قامها بقصد ليلة القدر هي ليلة القدر في نفس الأمر، وإن لم يعلم هو ذلك. وما ذكره النوويّ من أن معنى الموافقة العلم بأنها ليلة القدر مردود، وليس في اللفظ ما يقتضي


(١) - "طرح التثريب" ج ٤ ص ١٦٣ - ١٦٤.
(٢) - ج ٦ ص ٢٨٣.