للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عنها؟، أو عنه؟، فقالوا: مات، قال: "أفلا كنتم آذنتموني؟ "، قال: فكأنهم صغروا أمرها، أو أمره، فقال: "دلوني على قبره"، فدلوه، فصلى عليها، ثم قال: "إن هذه القبور، مملوءة ظلمة على أهلها، وإن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، ينوّرها لهم بصلاتي عليهم" (١). قال: فادعى قوم أن هذا الكلام منه - عليه السلام - دليل على أنه خصوص له. قال: وليس كما قالوا:، وإنما في هذا الكلام بركة صلاته - صلى اللَّه عليه وسلم -، وفضيلتها على صلاة غيره فقط، وليس فيه نهي غيره عن الصلاة على القبر أصلاً، بل قد قال اللَّه تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} الآية [الأحزاب: ٢١].

ثم أورد مما يدلّ على بطلان دعوى الخصوص حديث ابن عباس - رضي اللَّه عنهما - الآتي بعد هذا. ثم قال: فهذا أبطل الخصوص؛ لأن أصحابه - عليه السلام -، وعليهم رضوان اللَّه صلَّوا معه على القبر، فبطلت دعوى الخصوص. ثم أخرج عن ثابت، عن أنس - رضي اللَّه عنه -: "أن النبيَّ - صلى اللَّه عليه وسلم - صلى على قبر".

قال: فهذه آثار متواترة لا يسع الخروج عنها.

وأورد أيضًا أن عائشة قدمت مكة بعد موت أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر، فقالت: أين قبر أخي؟ فدلت عليه، فوُضِعَت في هودجها عند قبره، فصلت على قبره. وعن نافع عن ابن عمر، أنه قدم، وقد مات أخوه عاصم، فقال: أين قبر أخي؟ فدُلّ عليه، فصلى عليه، ودعا له. وعن عليّ - رضي اللَّه عنه - أنه أمر قَرَظَة بن كعب الأنصاريّ أن يصلي على قبر سهل بن حنيف بقوم جاؤوا بعد ما دفن، وصلى عليه. وعن علي أيضًا أنه صلى على جنازة بعد ما صلي عليها. وعن أنس أنه صلى على جنازة بعد ما صلي عليها. وعن ابن مسعود نحو ذلك. وعن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد أنه صلى على جنازة بعد ما صلي عليها. وعن قتادة أنه كان إذا فاتته الصلاة على الجنازة صلى عليها.

قال: فهذه طوائف من الصحابة لا يُعرف لهم منهم مخالف.

قال: وأما تحديد الصلاة بشهر، أو ثلاثة أيام، فخطأ لا يشكل، لأنه تحديد بلا دليل، ولا فرق بين من حدّ بهذا، أو من حدّ بغير ذلك انتهى كلام ابن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- باختصار، وتصرّف (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما ذكر من الأدلة الصحيحة، ومن أقوال أهل العلم أن الصواب جواز الصلاة على القبر، وإن دفن الميت بعد الصلاة عليه، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.


(١) - وأخرجه أيضًا البخاريّ، مختصرًا.
(٢) - "المحلى" ج ٥ ص ١٣٩ - ١٤٢.