للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الخامسة: في اختلاف أهل العلم في حكم الصلاة على الميت:

قال الحافظ أبو عمر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: ما حاصله: اختلف العلماء في حكم الصلاة على الجنائز، فقال أكثرهم: هي فرض على الكفاية، يسقط وجوبها بمن حضرها عمن لم يحضرها، وقال بعضهم: هي سنة واجبة على الكفاية.

وقال أيضًا: وفي صلاة النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - على النجاشي، إذ لم يصلّ عليه أحد من قومه، وأمره - صلى اللَّه عليه وسلم - أصحابه بالصلاة عليه معه دليل على تأكيد الصلاة على الجنائز، وعلى أنه لا يجوز أن تترك الصلاة على مسلم مات، ولا يجوز دفنه دون أن يصلّى عليه لمن قدر على ذلك.

وعلى هذا جمهور علماء المسلمين، من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، من فقهاء الأمصار، إلا أنهم اختلفوا في الصلاة على الشهداء، وعلى البغاة، وعلى أهل الأهواء، لمعان مختلفة متباينة، على ما نذكره في مواضعه، إن شاء اللَّه تعالى.

وأجمع المسلمون على أنه لا يجوز ترك الصلاة على المسلمين المذنبين من أجل ذنوبهم، وإن كانوا أصحاب كبائر انتهى كلام ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- ببعض تصرّف (١).

وقال العلامة القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: فيه- أي في قوله: "فقوموا، فصلوا عليه "- دليل على وجوب الصلاة على الميت المسلم، وهو المشهور من مذاهب العلماء أنه واجب على الكفاية، ومن مذهب مالك، وقيل عنه: إنه سنة مؤكدة انتهى (٢).

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: الصلاة على ميت فرض كفاية بلا خلاف عندنا، وهو إجماع، والمرويّ عن بعض المالكية مردود انتهى (٣).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بهذا أن الصلاة على الميت المسلم، وكذا المسلمة فرض على الكفاية، للأدلة الواردة في ذلك، كحديث الباب، والأحاديث الأخرى الصحيحة في صلاته - صلى اللَّه عليه وسلم - على الأموات، وأجمع على ذلك أهل العلم، فلا اختلاف بينهم في ذلك، إلا ما نُقل عن مالك، وهو مردود، كما بيّنه النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى آنفًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة السادسة: في اختلاف أهل العلم في الصلاة على الميت الغائب عن البلد: ذهب جمهور السلف، إلى مشروعية الصلاة عليه، وإليه ذهب الشافعيّ، وأحمد.


(١) - "الاستذكار" ج ٧ ص ٢٣٦ - ٢٣٨.
(٢) - "المفهم" ج ٢ ص ٦٠٩.
(٣) - ""المجموع" شرح المهذّب" ج ٥ ص ١٦٩.