للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ورواية المصنّف -وهي لمسلم أيضًا- بلفظ "من أثنيتم الخ" أبين قي العموم من رواية البخاريّ، بلفظ: "هذا أثنيتم عليه خيرًا، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرّا، فوجبت له النار".

وفيها ردٌّ على من زعم أن ذلك خاصّ بالميتين المذكورين، لغيب أطلع اللَّه نبيه - صلى اللَّه عليه وسلم - عليه، فالصواب أنه خبر عن حكم أعلمه اللَّه تعالى به. واللَّه تعالى أعلم.

[تنبيه]: قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من أثنيتم شرّا الخ" يشكل عليه النهي عن سبّ الأموات -الآتي بعد باب- وأجيب عن هذا الإشكال بأوجه:

(أحدها): أن الذي تحُدّث عنه بالشرّ كان مستظهرًا له، ومشهورًا به. (الثاني): أن محمل النهي إنما هو فيما بعد الدفن، وأما قبله، فيجوز، ليتعظ به الفسّاق، وهذا كما يُكره لأهل الفضل الصلاة على المعلن بالبدَع والكبائر. (الثالث): أن الذي أثنى عليه الصحابة بالشرّ يحتمل أن يكون من المنافقين، ظهرت عليه دلائل النفاق، فشهدت الصحابة بما ظهر لهم، ولذلك قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "وجبت له النار"، والمسلم لا تجب له النار، وهذا هو مختار القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-. (الرابع): أن النهي عن سبّ الأموات متأخر عن هذا الحديث، فيكون ناسخا. أفاده القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي الوجه الأول أرجح. واللَّه تعالى أعلم.

(أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ") وفي رواية مسلم تكراره ثلاث مرّات، "أنتم شهداء اللَّه في الأرض، أنتم شهداء اللَّه في الأرض، أنتم شهداء اللَّه في الأرض".

والخطاب للصحابة، ومن كان على صفتهم من الإيمان. وحكى ابن التين أن ذلك مخصوص بالصحابة، لأنهم كانوا ينطقون بالحكمة، بخلاف من بعدهم. قال: والصواب أن ذلك يختصّ بالثقات والمتقين انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الحق كونه عاما للصحابة، وغيرهم من المؤمنين، فقد ثبت في "صحيح البخاريّ" في "كتاب الشهادات" بلفظ: "المؤمنون شهداء اللَّه في الأرض". وللمصنف من حديث أبي هريرة التالية: "الملائكة شهداء اللَّه في السماء، وأنتم شهداء اللَّه في الأرض"، ولأبي داود، من حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - أيضًا في نحو هذه القصّة: "إن بعضكم عدى بعض لشهيد". واللَّه تعالى أعلم.

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: والظاهر أن الذي أثنوا عليه شرّا كان من المنافقين. انتهى.


(١) - "المفهم" ٢ ص ٦٠٧ - ٦٠٨.