للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبقى مدة فى القلعة يكتب العلم ويصنفه، ويرسل إلى أصحابه الرسائل، ويذكر ما فتح الله به عليه فى هذه المرة من العلوم العظيمة، والأحوال الجسيمة

وقال: قد فتح الله على فى هذا الحصن فى هذه المرة من معانى القرآن، ومن أصول العلم بأشياء، كان كثير من العلماء يتمنونها، وندمت على تضييع أكثر أوقاتى فى غير معانى القرآن، ثم إنه منع من الكتابة، ولم يترك عنده دواة ولا قلم ولا ورق، فأقبل على التلاوة والتهجد والمناجاة والذكر.

قال شيخنا أبو عبد الله ابن القيم: سمعت شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، ونور ضريحه، يقول: إن فى الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. قال: وقال لى مرة: ما يصنع أعدائى بى؟ أنا جنتى وبستانى فى صدرى، أين رحت فهى معى، لا تفارقنى، أنا حبسى خلوة. وقتلى شهادة، وإخراجى من بلدى سياحة.

وكان فى حبسه فى القلعة يقول: لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبا ما عدل عندى شكر هذه النعمة - أو قال: ما جزيتهم على ما تسببوا لى فيه من الخير - ونحو هذا.

وكان يقول فى سجوده، وهو محبوس: اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ما شاء الله.

وقال مرة: المحبوس من حبس قلبه عن ربه، والمأسور من أسره هواه

ولما دخل إلى القلعة، وصار داخل سورها نظر إليه، وقال (١٣:٥٧ {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ، باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ، وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ)}.

قال شيخنا: وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه قط، مع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرجاف، وهو مع ذلك أطيب الناس عيشا، وأشرحهم صدرا، وأقواهم قلبا، وأسرهم نفسا، تلوح نضرة النعيم على وجهه وكنا إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>