قال: ومن كثرة ميله إلى العمل بالسنة، اجتاز فى سوق بغداد - وهو الوزير - فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، بيده الخير، وهو على كل شئ قدير.
قال صاحب سيرته: ولقد بلغ به من شدة الورع بحيث أحضر له كتاب من وقف المدرسة النظامية، ليقرأ عنده. فقال: قد بلغنى أن الواقف شرط فى كتاب الوقف: أن لا يخرج شئ من كتب الوقف عن المدرسة، وأمر برده. فقيل له:
إن هذا شئ ما تحققناه. فقال: أليس قد قيل؟ ولم يمكّنهم من قراءته، وحثهم على إعادته.
قال: وحدثنى الفقيه أبو حامد أحمد بن محمد بن عيسى الحنبلى قال: حدثنى الوزير عون الدين قال: كان بينى وبين بعض مشايخ القرى معاملة مضيت من أجلها من الدور إلى قريته فلم أجده، فقعدت لانتظارهم حتى هجم الليل، فصعدت إلى سطحه للنوم، فسمعت قوما يسفهون بالهجر من الكلام، فسألت عنهم؟ فأخبرت أنهم يعصرون بالنهار الخمر، ويسفهون فى الليل. فقلت: والله لابت بها فقيل: ولم؟ فقلت: أخاف أن ينزل بهم عذاب وسخط فأكون معهم، فإن لم يكن خسفا حقيقيا كان خسفا معنويا، مما يدخل على القلب من القساوة والفتور عن ذكر الله تعالى بسماع هذا الكلام، ومضيت ذلك الوقت إلى الدور.
قال الوزير: فلما عدت أنا والمقتفى لأمر الله من حصار قلعة تكريت مررنا بتلك القرية، فسألنى المقتفى عنها؟ فقلت: هذه الناحية للوكلاء أجلهم الله تعالى.
فقال: لئن تكون لك، إذ هى فى جوارك أصلح من أن تكون لنا، فتقدم إلى عمالك بالتصرف فيها. فذكرت له حينئذ حالتى بها، وقلت له: فمن بركة ذلك الفعل رزقت القرب منك يا أمير المؤمنين، وتملك الناحية من غير طلب منى لها، فاستظرف ذلك منى، وكثر تعجبه منه.
قال: وكان الوزير شديد التواضع، رافضا للكبر، شديد الإيثار لمجالسة أرباب