وذكر صاحب سيرته: أنه سمعه يذكر: أنه لما استطال السلطان مسعود وأصحابه وأفسدوا، عزم هو والخليفة على قتاله. قال: ثم إنّي فكرت فى ذلك، ورأيت أنه ليس بصواب مجاهرته؛ لقوة شوكته. فدخلت على المقتفى، فقلت:
إنّي رأيت أن لا وجه فى هذا الأمر إلا الالتجاء إلى الله تعالى، وصدق الاعتماد عليه، فبادر إلى تصديقى فى ذلك، وقال: ليس إلا هذا. ثم كتبت إليه: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد دعا على رعل وذكوان شهرا، وينبغى أن ندعو نحن شهرا. فأجابنى بالأمر بذلك.
قال الوزير: ثم لازمت الدعاء فى كل ليلة وقت السحر أجلس فأدعو الله سبحانه، فمات مسعود لتمام الشهر، لم يزد يوما ولم ينقص يوما، وأجاب الله الدعاء وأزال يد مسعود وأتباعه عن العراق، وأورثنا أرضهم وديارهم. وهذه القصة تذكر فى كرامات الخليفة والوزير. رحمهما الله تعالى.
وكاتب الوزير ابن هبيرة السلطان نور الدين محمود بن زنكى يستحثه على انتزاع مصر من يد العبيديين. فسير إليها أسد الدين شير كوه مرتين، وفى الثالثة خطب بها للمستنجد، وجاء الخبر بذلك إلى بغداد سنة تسع وخمسين، وعمل أبو الفضائل بن تركان حاجب الوزير ابن هبيرة قصيدة يهنئ بها الوزير بفتح مصر، ويذكر أن ذلك كان بسبب سعيه وبركة رأيه، وتكامل انتزاع مصر من بنى عبيد، وإقامة الخطبة لبنى العباس بها بعد سبع سنين فى خلافة المستضئ فعظمت حرمة الدولة العباسية فى وقته، وانتشرت إقامة الدعوة لها فى البلاد.
قال ابن الجوزى: وكان المقتفى معجبا به، يقول: ما وزر لبنى العباس مثله.
قال ابن الجوزى: حدثنى الوزير قال: لما رجعت من الحلة - وكان قد خرج لدفع بعض البغاة - دخلت على المقتفى، فقال لى: ادخل هذا البيت فغير ثيابك، فدخلت فإذا خادم وفراش ومعهم خلعة حرير، فقلت: أنا والله ما ألبس هذه. فخرج الخادم فأخبر المقتفى، فسمعت صوت المقتفى وهو يقول: قد والله قلت: إنه ما يلبس.