ثم إن أبا نصر بن القشيرى أخرج من بغداد، وأمر بملازمة بلده لقطع الفتنة.
وذلك نفى فى الحقيقة.
قال ابن النجار: كوتب نظام الملك الوزير بأن يأمره بالرجوع إلى وطنه، وقطع هذه الثائرة، فبعث واستحضره، وأمره بلزوم وطنه، فأقام به إلى حين وفاته
قال القاضى أبو الحسين: أخذ الشريف أبو جعفر فى فتنة أبى نصر بن القشيرى، وحبس أياما، فسرد الصوم وما أكل لأحد شيئا.
قال: ودخلت عليه فى تلك الأيام ورأيته يقرأ فى المصحف، فقال لى:
قال الله تعالى:(٤٥:٢ {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)} تدرى ما الصبر؟ قلت:
لا، قال: هو الصوم. ولم يفطر إلى أن بلغ منه المرض، وضج الناس من حبسه.
وأخرج إلى الحريم الطاهرى بالجانب الغربى (١) فمات هناك.
وذكر ابن الجوزى: أنه لما اشتد مرضه، تحامل بين اثنين، ومضى إلى باب الحجرة، فقال: جاء الموت، ودنا الوقت، وما أحبّ أن أموت إلا فى بيتى بين أهلى. فأذن له. فمضى إلى بيت أخته بالحريم.
قال: وقرأت بخط أبى على بن البناء قال: جاءت رقعة بخط الشريف أبى جعفر، ووصيته إلى أبى عبد الله بن جردة فكتبها. وهذه نسختها:
«مالى - يشهد الله - سوى الحبل والدلو، وشئ يخفى علىّ لا قدر له.
والشيخ أبو عبد الله، إن راعاكم بعدى، وإلاّ فالله لكم. قال الله عزّ وجل:
(٩:٤ {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ)} ومذهبى: الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، وما عليه أحمد، ومالك والشافعى، وغيرهم ممن يكثر ذكرهم، والصلاة: بجامع المنصور إن سهل الله تعالى ذلك عليهم.
(١) نسبة إلى طاهر بن الحسين. وبه كانت منازلهم. وسمى «الحريم» لأن من لجأ إليه أمن.