فلما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة أنزل الله تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لا نفسهم {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (٥٤) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}
{الزمر: ٥٣ - ٥٥}.
قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: فكتبتها بيدي في صحيفة وبعثت بها إلى هشام بن العاصي.
قال: فقال هشام: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى، أصعد بها فيه وأصوب ولا أفهمها حتى قلت: اللهم فهمنيها، قال: فألقى الله تعالى في قلبي أنها إنما أنزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا.
قال: فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله -صلى الله عليه وسلم- (١).
تنبيه: دلالة القصة واضحة في أن هجرة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كانت سرية، فليس فيها أي إشارة إلى إعلان الهجرة، بل إن تواعدهم في
(١) "سيرة ابن هشام" (٢/ ١١٨). بإسناد حسن لذاته، حيث صرح ابن إسحاق بالتحديث، ومن طريق ابن إسحاق أخرجها الحاكم في "المستدرك" وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وأقره الذهبي، وابن كثير في "السيرة النبوية" (٢/ ٢١٩ - ٢٢٠). وقال الهيثمي في"مجمع الزوائد " (٦/ ٦١) رواه البزار ورجال ثقات، وصححها الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (٦/ ٤٢٣) رقم (٨٩٨٦). وانظركذلك "صحيح السيرة النبوية" (ص: ١٦٤ - ١٦٥) لإبراهيم العلي، و"السيرة النبوية الصحيحة" للعمري (١/ ٢٠٦).