يُصَلِّى على حَسَبِ حالِه كما يُصَلِّى الجُنُبُ الذي يَتَيَمَّمُ، وهذا قَوْلُ الأكْثرين مِن الفُقهاءِ؛ لأنَّ الشَّرْعَ إنَّما وَرَدَ بِالتَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ، وغَسْلُ النَّجَاسَةِ ليس في مَعْناه؛ لأنَّه إنَّمَا يُؤْتَى بِه في مَحَلِّ النَّجاسةِ، لا في غيرِه، ولأنَّ مَقْصُودَ الغَسْلِ إِزَالةُ النَّجاسَةِ، ولا يَحْصُلُ ذلك بِالتَّيَمُّمِ. ولَنا، قَوْلُه عليه السَّلَامُ:"الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورُ المُسْلِمِ، وَإنْ لَمْ يَجِدِ الماءَ عَشْرَ سِنِينَ"، وقَوْلُه:"جُعِلَتْ لِىَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا"، ولأنَّها طَهارةٌ في البَدَنِ تُرَادُ لِلصَّلَاةِ، فجاز لها التَّيَمُّمُ عندَ عَدَمِ الماءِ، أو خَوْفِ الضَّرَرِ باسْتِعْمَالِه، كالحَدَثِ. ويُفَارِقُ الغَسْلُ التَّيَمُّمَ؛ فإنَّه في طَهارةِ الحَدَثِ يُؤْتَى بِه في غيرِ مَحَلِّه، فيما إذا تَيَمَّمَ لِجُرْحٍ في رِجْلِهِ، أو مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ غيرِ وَجْهِهِ ويَدَيْهِ، بخِلَافِ الغَسْلِ، وقَوْلُهم: لم يَرِدْ بهِ الشَّرْعُ. قُلْنَا: هو دَاخِلٌ في عُمُومِ الأخْبَارِ، وفي مَعْنَى طَهارةِ الحَدَثِ؛ لِما ذَكَرْنا.
فإذا ثَبَتَ هذا، فإنَّهُ إذا تَيَمَّمَ لِلنَّجَاسَةِ وصَلَّى، فهل يَلْزَمُه الإِعادةُ؟ على رِوَايَتَيْنِ. وقال أبو الخَطَّاب: إنْ كان على جُرْحِهِ نَجَاسَةٌ يَسْتَضِرُّ بِإزَالَتِها، تَيَمَّمَ وصَلَّى، ولا إعَادَةَ عليه. وإنْ تَيَمَّمَ لِلنَّجَاسَةِ عندَ عَدَمِ الماءِ وصَلَّى، لَزِمَتْهُ الإِعادةُ عِنْدِى. وقال أصْحابُنا: لا تَلْزَمُه الإِعادةُ؛ لِقَوْلِه عليه السلَّامُ:"التُّرَابُ كَافِيكَ مَا لَمْ تَجِدِ الماءَ". ولأنَّها طَهَارَةٌ نابَ عنها التَّيَمُّمُ، فلم تَجِب الإِعادةُ فيها، كطَهارةِ الحَدَثِ، وكما لو تَيَمَّمَ لِنَجَاسَةٍ على جُرْحِهِ يَضُرُّهُ إزَالَتُها، ولأنَّهُ لو صَلَّى مِنْ غير تَيَمُّمٍ لم يَلْزَمْهُ الإِعادةُ، فمع التَّيَمُّمِ أَوْلَى. فأَمَّا إنْ كانتِ النَّجَاسَةُ على ثَوْبِهِ، أو غير بَدَنِه، فإنَّه لا يَتَيَمَّمُ لها؛ لأنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ في البَدَنِ، فلا يَنُوبُ عنْ (١٣) غيرِ البَدَنِ كالغَسْلِ، ولأنَّ غيرَ البَدَنِ لا ينَوُبُ فيه الجامِدُ عندَ العَجْزِ، بِخِلَافِ البَدَنِ.
فصل: فإن اجْتَمَعَ عليه نَجَاسَةٌ وحَدَثٌ، ومعه ما لا يَكْفِى إلَّا أحَدَهما، غَسَلَ النَّجَاسَةَ وتَيَمَّمَ لِلْحَدث. نَصَّ على هذا أحمدُ. وقال الخَلَّالُ: اتَّفَقَ أبو عبدِ اللَّه، وسفيانُ على هذا. ولا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا؛ وذلك لأنَّ التَّيَمُّمَ لِلْحَدَثِ ثابِتٌ بالنَّصِّ والإِجْمَاعِ، ومُخْتَلَفٌ فيه لِلنَّجَاسَةِ. وإنْ كانتِ النَّجَاسَةُ على ثَوْبِهِ، قَدَّمَ غَسْلَها،