وغَيْرِه ممن قال بالطَّهَارَةِ. وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: يُنْضَحُ الثَّوْبُ كُلّه. وبه قال النَّخَعِىُّ، وحَمَّادٌ. ونحوُه عن عائشةَ وعَطَاءٍ. وقال ابنُ عمرَ، وأبو هُرَيْرَةَ، والحسنُ: يُغْسَلُ الثَّوْبُ كُلُّه. ولَنا، أن فَرْكَهُ يُجْزِئُ إذا عُلِمَ مَكَانُه، فكذلك إذا خَفِىَ، وأمَّا النَّضْحُ فلا يُفِيدُ، فإنَّه لا يُطَهِّرُه إذا عُلِمَ مَكَانُه، فكذلك إذا خَفِىَ. وأمَّا إذا قُلْنا بالطَّهَارَةِ فلا يَجِبُ شيءٌ من ذلك، لكن يُسْتَحَبُّ، كحالِ العِلْمِ به.
فصل: قال أحمدُ، رَحِمَه اللهُ: إنما يُفْرَكُ مَنِىُّ الرجُلِ، أمَّا مَنِىُّ المرْأةِ فلا يُفْرَكُ؛ لأنَّ الذي لِلرَّجُلِ ثَخِينٌ، والذي لِلْمَرْأةِ رَقِيقٌ. والمعنَى في هذا أن الفَرْكَ يُرَادُ لِلتَّخْفِيفِ، والرَّقِيقُ لا يَبْقَى له جِسْمٌ بعد جَفَافِه يَزُولُ بالفَرْكِ، فلا يُفِيدُ فيه شيئًا، فعلى هذا إنْ قُلْنا بِنَجَاسَتِه، فلا بُدَّ من غَسْلِه رَطْبًا كان أو يَابِسًا، كالبَوْلِ. وإن قُلْنا بِطهَارَتِه، اسْتُحِبَّ غَسْلُه، كما يُسْتَحَبُّ فَرْكُ مَنِىِّ الرَّجُلِ. وأمَّا الطَّهَارَةُ والنَّجَاسَةُ فلا يَفْتَرِقَانِ فيه؛ لأنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منهما مَنِىٌّ، هو بَدْءٌ لِخَلْقِ آدَمِىٍّ، خارِجٌ من السَّبِيلِ.
فصل: فأمَّا العَلَقَةُ، فقال ابنُ عَقِيل: فيها رِوَايَتَانِ، كالمَنِىِّ؛ لأنَّها بَدْءُ خَلْقِ آدَمِىٍّ. والصَّحِيحُ نَجَاسَتُها؛ لأنَّها دَمٌ، ولم يَرِدْ من الشَّرعِ فيها طَهَارَةٌ، وقِيَاسُها على المَنِىِّ مُمْتَنِعٌ، لِكَوْنِها دَمًا خَارِجًا من الَفرْجِ، فأَشْبَهَتْ دَمَ الحَيْضِ.
فصل: ومن أمْنَى وعلى فَرْجِهِ نَجَاسَةٌ نَجُسَ مَنِيُّه؛ لإصَابَتِه النَّجَاسَةَ، ولم يُعْفَ عن يَسِيرِه لذلك. وذكر القاضي في المَنِىِّ من الجِمَاعِ أنَّه نَجِسٌ؛ لأنَّه لا يَسْلَمُ من المَذْىِ. وقد ذَكَرْنَا فسادَ هذا. فإنَّ مَنِىَّ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إنَّما كان من جِمَاعٍ، وهو الذي وَرَدَتِ الأخْبارُ بِفَرْكِه، والطَّهَارَةُ لِغَيْرِه إنَّما أُخِذَتْ من طَهَارَتهِ، واللهُ أعلمُ.
وجُمْلَةُ ذلك أنَّ الأرْضَ إذا تَنَجَّسَتْ بِنجاسةٍ مائِعَةٍ، كالبَوْلِ والخَمْرِ وغَيْرِهما. فطُهُورُها أن يَغْمُرَها بالماءِ، بحيثُ يَذْهَبُ لَوْنُ النَّجَاسةِ ورِيحُها. فما انْفَصَلَ عنها غيرَ