للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قولِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِىَ لَهُ". ولأنَّ هذه جِهَةٌ من جِهَاتِ التَّمْلِيكِ، فاشْتَرَكَ فيها المُسْلِمُ والذِّمِّىُّ، كسَائِر جِهَاتِه. وحَدِيثُهم لا نَعْرِفُه، إِنَّما نَعْرِفُ قَوْلَه: "عَادِىُّ الْأرْضِ للهِ ولِرَسُولِه، ثُمَّ هُوَ لَكُمْ بَعْدُ، ومَن أحْيَا مَوَاتًا مِنَ الْأرْضِ، فَلَهُ دَفِينُهَا" (١٣). هكذا رَوَاهُ سَعِيدُ بن منصورٍ، وهو مُرْسَلٌ، رَوَاهُ طَاوُسٌ، عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. ثم لا يَمْتَنِعُ أن يُرِيدَ بقَوْلِه: "هِىَ لَكُمْ". أي لأهْلِ دارِ الإِسلامِ، والذِّمِّىُّ من أهْلِ الدَّارِ، تَجْرِى عليه أحْكَامُها. وقولُهم: إنَّها من حُقُوقِ دارِ (١٤) الإِسلامِ. قُلْنا: وهو من أهْلِ الدّارِ، فيَمْلكُها (١٥)، كما يَمْلِكُها بالشِّرَاءِ، ويَملِكُ مُبَاحَاتِها، من الحَشِيشِ والحَطَبِ والصّيُودِ والرِّكَازِ والمَعْدِنِ واللُّقَطَةِ، وهى من مَرَافِقِ دارِ الإِسلامِ.

فصل: وما قَرُبَ من العامِرِ، وتَعَلَّقَ بمَصَالِحِه، من طُرُقِه، ومَسِيلِ مائِه، ومُطَّرَحِ قُمامَتِه، ومُلْقَى تُرَابِه وآلَاتِه، فلا يجوزُ إحْياؤُه، بغيرِ خِلَافٍ في المَذْهَبِ. وكذلك ما تَعَلَّقَ بمَصَالِح القَرْيةِ، كفِنَائِها، ومَرْعَى ماشِيَتِها، ومُحْتَطَبِها، وطُرُقِها، ومَسِيلِ مائِها، لا يُمْلَكُ بالإِحْياءِ. ولا نَعْلَمُ فيه أيضًا خِلَافًا بين أهْلِ العِلْمِ. وكذلك حَرِيمُ البِئْرِ والنَّهْرِ والعَيْنِ، وكلُّ مَمْلُوكٍ لا يجوزُ إحْياءُ ما تَعَلَّقَ بمَصَالِحِه؛ لقولِه عليه السلامُ: "مَن أحْيَا أرْضًا مَيْتَةً في غَيرِ حَقِّ مُسْلِمٍ، فَهِىَ لَهُ". مَفْهُومُه أنَّ ما تَعَلَّقَ به حَقُّ مُسْلِمٍ لا يُمْلَكُ بالإِحْياءِ، ولأنَّه تابعٌ لِلْمَمْلُوكِ، ولو جَوَّزْنَا إِحْياءَه، لَبَطَلَ المِلْكُ في العامِرِ على أهْلِه. وذَكَرَ القاضي أنَّ هذه المَرَافِقَ لا يَمْلِكُها المُحْيِى بالإِحْياءِ، لكنْ هو أحَقُّ بها من غيرِه؛ لأنَّ الإِحْياءَ الذي هو سَبَبُ المِلْكِ لم يُوجَدْ فيها. وقال الشافِعىُّ: يَمْلِكُ بذلك. وهو ظاهِرُ قولِ الخِرَقِىِّ في حَرِيمِ البِئْرِ؛ لأنَّه مَكانٌ اسْتَحَقَّهُ بالإِحْياءِ، فمَلَكَهُ، كالمُحْيِى، ولأنَّ مَعْنَى المِلْكِ مَوْجُودٌ فيه، لأنَّه يَدْخُلُ مع الدَّارِ في البَيْعِ، ويَخْتَصُّ به صَاحِبُها. فأمَّا ما قَرُبَ من العامِرِ، ولم يَتَعَلَّقْ


(١٣) في ب، م: "رقبتها".
(١٤) سقط من: ب، م.
(١٥) في ب، م: "فيمتلكها".

<<  <  ج: ص:  >  >>