للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يقولَ: تَحَصَّلَتْ عليَّ بكذا. وبه قال الحسنُ، وابنُ سِيرِينَ، وسَعِيدُ بن المُسَيَّبِ، وطَاوُسٌ، والنَّخَعِيُّ، والأَوْزَاعِيُّ، وأبو ثَوْرٍ. ويَحْتَمِلُ أن يجوزَ فيما اسْتَأْجَرَ عليه أن يَضُمَّ الأُجْرَةَ إلى الثَّمَنِ، ويقولَ: تَحَصَّلَتْ عَلَىَّ بكذا. لأنَّه صادِقٌ. وبه قال الشَّعْبِيُّ، والحَكَمُ، والشَّافِعِيُّ. ولَنا، أنه تَغْرِيرٌ بالمُشْتَرِى، فإنَّه عَسَى أنْ لو عَلِمَ أنَّ بعضَ ما تَحَصَّلَتْ به لأجْلِ الصِّناعَةِ، لا يرْغَبُ فيه؛ لِعَدَمِ رَغْبَتِه في ذلك، فأشْبَهَ ما يَنْقُصُ الحَيَوانَ في مُؤْنَتِه، وكُسْوَتِه، وعلى المُبْتَاعِ في خَزْنِه.

الضَّربِ الثاني، أن يَتَغَيَّرَ بنَقْصٍ، كنَقْصِه بِمَرَضٍ، أو جِنايَةٍ عليه، أو تَلَفِ بعضِه، أو بوِلَادَةٍ، أو عَيْبٍ، أَو يَأْخُذَ المُشْتَرِى بعضَه، كالصُّوفِ واللَّبَنِ المَوْجُودِ ونحوِه، فإنَّه يُخْبِرُ بالحالِ على وَجْهِه، لا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا. وإن أخَذَ أَرْشَ العَيْبِ، أو الجِنَايَةِ، أخْبَرَ بذلك على وَجْهِه. ذَكَرَه القاضي. وقال أبو الخَطَّابِ: يَحُطُّ أَرْشَ العَيْبِ من الثَّمَنِ، ويُخْبِرُ بالباقِى، لأنَّ أرْشَ العَيْبِ عِوَضُ ما فَاتَ به، فكان ثمنُ المَوْجُودِ هو ما بَقِىَ. وفي أرْشِ الجِنَايَةِ وَجْهَانِ؛ أحدُهما، يَحُطُّه من الثَّمَنِ، كأَرْشِ العَيْبِ. والثاني، لا يَحُطُّه كالنَّمَاءِ. وقال الشَّافِعِيُّ: يَحُطُّهُما من الثَّمَنِ، ويقول: تَقَوَّمَ عَلَيَّ بكذا؛ لأنَّه صَادِقٌ فيما أخْبَرَ به، فأشْبَه ما لو أخْبَرَ بالحالِ على وَجْهِه. ولَنا، أنَّ الإِخْبارَ بالحالِ على وَجْهِه أبْلَغُ في الصِّدْقِ، وأقْرَبُ إلى البَيانِ ونَفْىِ التَّغْرِيرِ بالمُشْتَرِي والتَّدْلِيسِ عليه، فلَزِمَهُ ذلك، كما لو اشْتَرَى شَيْئَيْنِ بثَمَنٍ واحِدٍ، وقَسَّطَ الثَّمَنَ عليهما. وقِياسُ أَرْشِ الجِنَايَةِ عليه على النَّماءِ والكَسْبِ غيرُ صَحِيحٍ؛ لأنَّ الأَرْشَ عِوَضُ نَقْصِه الحاصِلِ بالجِنايَةِ عليه، فهو بمَنْزِلَةِ ثَمَنِ جُزْءٍ منه باعَهُ، وكقِيمَةِ أحدِ الثَّوْبَيْنِ إذا تَلِفَ أحَدُهما، والنَّماءُ والكَسْبُ زِيَادَةٌ لم يَنْقُصْ بها المَبِيعُ، ولا هى عِوَضٌ عن شىءٍ منه، فَأمَّا إن جَنَى المَبِيعُ، ففَداه المُشْتَرِى، لم يُلحِقْ ذلك بالثَّمَنِ، ولم يُخْبِرْ به في المرابَحَةِ، بغيرِ خِلَافٍ نَعْلَمُه؛ لأنَّ هذا الأَرْشَ لم يَزِدْ به المَبِيعُ قِيمَةً ولا ذَاتًا، وإنَّما هو مُزِيلٌ لِنَقْصِه بالجِنايَةِ والعَيْبِ الحاصِلِ بِتَعَلُّقِها بِرَقَبَتِه، فأشْبَه الدَّوَاءَ المُزِيلَ لِمَرَضِه الحادِثِ عندَ المُشْتَرِى. فأمَّا الأدوِيَةُ، والمُؤْنَةُ، والكُسْوَةُ، وعَمَلُه في السِّلْعَةِ بِنَفْسِه، أو عَمَلُ غيرِه له بغيرِ أُجْرَةٍ، فإنَّه

<<  <  ج: ص:  >  >>