للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلَمَا تَمَّ أَمْرُ كُتبغَا فِي السلطنة أنشأ له حاشية، وأمَّر جماعة من خُشْدَاشِينَه، وأنعم عليهم بتقادم ألوف، ورَاجَ أَمْرُه، واستقامت أحواله في السلطنة [١/ ٢٨].

وَمِنَ الحَوَادِثِ في أَيَّامِهِ: أَنَّ الأرض أُجدِبَت، ووقع الغلاء بالديار المصرية، وغلت الأسعار حتى وصل بسعر القمح كل أردب بمائة وخمسين درهمًا، وَاشتَدَّ الأمر على الناس حتى أكلُوا مِنَ الكلاب والقطط والحمير أشياء كثيرة، حتى صَارَ الكلب يُبَاعُ بخمسة دراهم، والقط بدر همين، وَدَامَ هذا الأمر على الناس.

حتى دخلت سنة خمس وتسعين وستمائة، فيها اشتد الأمر على الناس حتى بلغ سعر القمح كل أردب بمائة وسبعين درهما، وبلغ سعر الفول والشعير كل أردب بمائة وعشرين درهما، وأبيع الفروج بخمسة عشر درهما، وأبيع السفرجلة والتفاحة كل واحدة بثلاثين درهما، وأبيع اللحم كل رطل بسبعة دراهم، وأبيع البيض كل واحدة بأربعة دراهم.

وَمَاتَ في هذه السنة منَ الناسِ مَا لا يُحصى عَدَدَهُمْ من الجُوعِ، وَصَارُوا موتى في الطرقات، حتى جافتْ منهم المدينة.

وقيل: جاءَ جرَادٌ كثير في تلك السنة فأكل الناس منه شيئًا كثيرًا، وأبيع كل أربعة أرطال جراد بدرهمين، وأبيع الكمأة كلّ سبعة أرطَالَ بدرهم؛ وكان هذا الغلاء عَامًا في سائر البلاد الشاميّة والحلبيّة، حتى في الحجاز الشريف والمدينة.

وَمَاتَ منَ العالم في هذه السنة نحو الثلث، ثم تراجع الأمر بعد ذلك قليلًا قليلًا، وَأَنحَطَّتْ الأسعار، وأنصلح الحال بعد تلك الشدة العظيمة التي حَصَلتْ للناس من هذا الغلاء الشديد، كما يُقالُ:

قل لمن يحمل هما … أن هذا (١) لا يدومُ

مثلما تنفى المسرات … هَكذَا تُنفى الهموم (٢)

وفي هذه السنة وهي سنة خمس وتسعين وستمائة، فيها توفي الشيخ سراج الدين الوراق الشاعر، وكان مولده في سنة خمس عشر وستمائة، فكانت مدة حياته نحو ثمانين سنة، ومن شعره لنفسه، وهو قوله:


(١) "هما" في ألف ليلة وليلة ١/ ٧. صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال ٢/ ٣٣٤.
(٢) بحر مجزوء الرمل؛ البيتان للبهاء زهير، وقد نقلهم ابن إياس بالمعنى وليس حرفيًا. (انظر: بدائع الزهور ١/ ٣٩١. ديوان البهاء زهير، ٢٣٧).

<<  <   >  >>