للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَكَانَ مَلَكًا جَليلًا مُهَابًا، ضخم الجسد، كبير الوجة، مستدير اللحية، حسن الوجة، شديد البأس، وكانَ مُنهمكًا عَلى اللَّذَاتِ، يَميلُ إلى اللهو والطرب والسماع الطيب، وشرب الراح، وحبّ الملاح.

قال القاضي محيى الدين ابن عبد الظاهر كاتب السّر الشريف: «مَا رَأيتُ ولا سمعتُ بأسبق من ذهن (١) الملك الأشرف خليل، ولقد كنتُ أحضر بالمراسيم للعلامة، فما عَلَمَّ عَلى مرسُومٍ قط، إلا وقرأه جميعه، وفهم ما فيه، بل وكانَ يُخرج علينا بأشياء كثيرة فيها الصواب، ولقد تعاظم في أخر الوقت، حتى صَارَ يكتب في موضع العلامة، (خَا) وَهوَ إشارة إلى الحرف الأول من اسمه، ومنع الكتاب بديوان الإنشاء بأن لا يكتبوا لأحد من الأمراء والنواب «الزعيمي»، وكان يقول: "من زعيم الجيوش غيري".

وكان له معرفة تامة بأحوال المملكة، وكان كفوًا للسلطنة، ولكن كان من مساوئه أنهُ كَانَ يَسمع من وزيرهِ شمس الدين ابن السلعوس، وكان ذلك سَببًا لزوَالِ مُلكه.

وكان من مساوئه أيضًا أنه نفى أولاد الملك الظاهر بيبرس البندقداري إلى القسطنطينية وهُما سلامش وأخيه خضر، وقد تقدم ذلك، وكان ذلك غاية المساوئ.

ولكن كان عنده العدل والإنصاف في حق الرعيّة لا يُراعى في الحق أحد من

الأمراء ولا غيرهم إذا ظهر له الحق، ومما مُدحَ بهِ، وَهوَ قُولُ الْقَائِلُ فِيهِ مِنْ

أبيات: [٢٥/ ١]

يا أيها الملك الذي سطواته … حملت بها الأعداء في يقظاتها

ملك تقر له الملوك بأنه … إنسان أعينها وعين حياتها

شتت شمل المال بعد وفوره … وجمعت شمل الناس بعد شتاتها

وظهرت بالعدل الذي أمسى به … في البيد يخشى ذئبها من شاتها (٢)

وكانت قتلته في عصر يوم السبت خامس عشر المُحرم سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وَمَاتَ وَلهُ منَ العُمر نحو من ثلاثين سنة، وهو في خيَارِ شَبَابِهِ.


(١) في الأصل "دهن". والتصحيح من المقريزي نقلا عن ابن عبد الظاهر (انظر: المقفى الكبير ٣/ ٤٥٦)
(٢) بحر الكامل؛ الأبيات لصفي الدين الحلي (انظر: ديوان صفي الدين الحلي، ١١٧ - ١١٨. بدائع الزهور ١/ ١/ ٣٧٨. النجوم الزاهرة ١١/ ٨٦).

<<  <   >  >>