للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما بلغ المقر السيفي نُورُوز الحافظي بأن شيخ قد خلع الخليفة العباس من السلطنة وتسلطنَ عُوضه، فعزّ ذلك عليه، وعصى على المؤيد شيخ، ولم يبس له الأرض ولا أطاعه، فأن كان بين نُورُوز وشيخ صحابة أكيدة وأيمان عظيمة ومواثيق، فخان شيخ الأيمان وتسلطن، واستمرّ نُورُوز يدعو للخليفة العباس على منابر دمشق وأعمالها.

ومن الحوادث في أيامه أن في سنة ستة عشر وثمانِمَائة في أوائل سلطنة المؤيد شيخ، ظهر بالقاهرة شخص يدعي أنه يصعد إلى فوق السماءِ، وَيُشَاهِد البَارِي جَلَّ وعلا، وأنه يُكلمه في كلّ يوم [١٨٥/ ١] مرّة، فأعتقده جماعة كثيرة من العوام، فلما بلغ السلطان ذلك رسم بأن يُعقد له مجلس في المدرسة الصالحية، فحضر القُضاة الأربعة، وشهدوا عليه البينة بما يقوله، فحكم القاضي المالكي بقتله بشهادة اثنين على أنه حاضر العقل، ثم شهد جماعة من أهل الطب بأنه مختل العقل، فعند ذلك سجنُوه، وَلَمْ يَثبت كُفره (١).

وفي أيام الملك المؤيد شيخ تولى الحسبة الشريفة منكلي بغا الشمسي (٢)، وهو أول من تولى الحسبة مِنَ الأتراك.

ثم إن الملك المؤيد شيخ لما طال عليه عصيان نُورُوز أعرض العسكر، وجرد إليه نفسه، وذلك سنة سبعة عشر وثمانمائة، فلما بلغ نُورُوز مجيء الملك المؤيد شيخ فحصن دمشق غاية التحصن، وَرَكَّبَ عَلَى أَسوارها المكاحل بالمدافع الكبار، فلما أن وصل الملك المؤيد إلى دمشق حاصر نُورُوز أشد ما يكون مِنَ المُحاصرة، ونصب المناجنيق إلى مُقابل قلعة دمشق، واستمر يُحاصر نُورُوز مُدَّة طويلة حتى ضجر من ذلك نُورُوز، وأرسل يطلب من الملك المؤيد الأمان، وسلم نفسه إليه، بعد أمور جرَتْ بينهما يطول شرحها عن هذا المختصر، وآخر الأمر قُتلَ نُورُوز بقلعة دمشق، وَقُطِعَتْ رَأْسِهُ وَجِئَ بِهَا إلى القاهرة، وَعُلقَتْ عَلى بَاب زويلة ثلاثة أيام، ثم دفنتْ، فَكَانَ لِسَانِ حَالَ الأمير نوروز مع المؤيد شيخ، كما قال القائل في المعنى:


(١) ورد الخبر في بدائع الزهور ٢/ ٢٨ - ٢٩: في أحداث سنة ٨١٩ هـ.
(٢) في بدائع الزهور ٢/ ٩: "منكلي بغا العجمي".

<<  <   >  >>