للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذه الخمسة طواعين المشهورة التي جاءت في صدر الإسلام؛ ولكن لم يُسمع بمثل هذا الطاعون الذي جاء في سنة تسع وأربعين وسبعمائة لأنه عمّ البلاد قاطبة، وَمَاتَ فِيهِ مِنَ النَّاسِ مَا لا يُحصى عَدَدَهُمْ مِنْ مُسلِمٍ وَكَافر.

وَكَانَ قُوَّة عمله في بلاد الفرنج؛ وَأَقَامَ دَائرًا في الأرض مُدَّةٍ سنين (١) حتى عُدِمت جميع البضائع، لِقلَّةِ الجُلَّاب، وَبَلَغَتْ الراوية الماء أكثر من عشرة دراهم، وبلغ طحين الأردب الدقيق خمسة عشر درهمًا، وجاء عقيب ذلك الفناء غلاء عظيم، حتى أبيع فيه كل وئية قمح بمائتين درهم.

وكان هذا الطَّاعُون قد زَادَ على ما قبله من الطواعين، لأنه وقع أيضًا في القطط والكلاب، حتى في الطيور والوحوش، ولقد شاهدوا منهم أشياء كثيرة، وَهِيَ مَطرُوحة في البراري، وتحت إبَاطِهَا الطواعين، وكذلك الخيل والحمير والبهائم، وفي ذلك يقول الصلاح الصفدي:

لما افترستَ صَحَابِي … يا عام تسع وأربعينا

ما كنتُ والله تسعًا … بل كنت سبعًا يقينا (٢)

وقوله أيضًا:

لا تثق بِالْحَيَاةِ طرفة عين … في زمان طاعُونه مُستَطِيرُ

فكَأَن القُبُور شعلة شمع … والبرايا لها فراش تطير (٣)

وَقَالَ المعمار:

قبح الطاعُون دَاءً … فقدَتْ فيه الأحبة

بيعت الأنفس فيه … كل إنسان بحبة (٤)

وَقَالَ الشيخ زين الدين ابن الوردي، عليه:

يَقُولُونَ شُمَّ الخَلَّ فِي زَمِنِ الوَبَا … وَفَاقَا لِمَا قَالَ الْأَطِبَاءُ يَا خِلَي

فإن قلتُ للطاعُونِ تسطو عَلَى الوَرَى … يَقُولُ نَعم … أسطو وأنفك في الخَلِّ (٥)

وَقَالَ الشيخ صلاح الدين الصفدي أيضًا، رحمه الله تعالي:


(١) في بدائع الزهور ١/ ١/ ٥٣٠: "٧ سنين".
(٢) بحر المجتث؛ البيتان في أعيان العصر ٣/ ٥١٩ والسلوك ٤/ ٩١.
(٣) بحر الخفيف؛ البيتان في السلوك لمعرفة دول الملوك ٤/ ٩٣.
(٤) بحر مجزوء الرمل البيتان في النجوم الزاهرة/ ١٠/ ٢١٢. نيل الأمل في ذيل الدول ١/ ١٧٧. وجاء البيت الأول فقط في السلوك لمعرفة دول الملوك ٤/ ٩٣.
(٥) بحر الطويل.

<<  <   >  >>