للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما وقع ذلك من السلطان لاجين نفرت عنه قُلوب الرعية لسوء تدبير مملوكه منكوتمر، وقد أختاروا عود الملك الناصر كل أحد من الرعية.

وفي هذه السنة وهي سنة سبع وتسعين وستمائة، فيها: حج الخليفة الإمام أحمد الحاكم بأمر الله فأنعم عليه السلطان لاجين بسبعمائة درهم (١).

ثم دخلت سنة ثمان وتسعين وستمائة، فيها توجه السلطان لاجين إلى نحو القصر الكبير، وكانَ صَائمًا فدخل إلى القصر ليفطر هناك، وكان جماعة من المماليك الأشرفية أتفقوا على قتله لأنه كان ممن تواطئ على قتله الأشرف خليل.

فَلَمَّا عَلِمُوا أن السلطان لاجين دخل إلى القصر فدخلوا عليه بعد العشاء، وَهوَ جَالس يلعب بالشطرنج، فأول من دخل عليه من المماليك كرجي مقدم البرجية، وكان قد اتفق مع نُوغان الكرماني، وكانتْ نَوبته في السلحدارية تلك الليلة، فقَالَ له السلطان: "غلقت على المماليك البرجيّة"، فقال: "نعم"، فشكره السلطان على ذلك، وكان أكثر المماليك البرجية واقفًا في دهليز القصر.

وكان السلطان جَالسًا وَعِندَهُ القاضي حُسام الدين الرازي الحنفي، وأمَامُهُ محب الدين ابن العسان، وشيخ العرب يزيد.

فلَمَا دَخَلَ كُرجي على السلطان وَجدَهُ مُنكبًا على الشطرنج، فتقدم كرجي على أنهُ يَصلح الشمعة، فأرمى الفوطة على النمجاة (٢)، وقَالَ للسلطان: "يَا خُجم مَا تُصلى العشاء"، فقَالَ السُلطان: "نعم"، وَقَامَ ليُصلي العشاء، فضربه كُرجي بالسيف على كتفه فهدله، فطلب السلطان النمجاة فلم يجدها، فقامَ مِنْ هَوَلِ الضربة، ومسك كُرجي وَأَرَمَاهُ تحته، فجاءَ إِليهِ نُوغان الكرماني، وَأَخذَ النمجاة، وضرب السلطان على رجله فقطعها.

فصاح عليه القاضي حُسام الدين: "ويلكُمْ أستاذكم كيف تقتلوه"، فانقلب السلطان على ظهره ميتًا، فتركُوهُ وَمضُوا [٣١/ ١] وَأغلقوا باب القصر عليه، وتركوا عنده القاضي حُسام الدين.

ثم إن كُرجي توجه في الليل بعد العشاء إلى دار النيابة، وَدَقَّ البَاب عَلى الأمير منكوتمر النائب، وَقَالَ لَهُ: "إنّ السلطان يطلبك"، فأنكر ذلك، وَقَالَ لَهُ:


(١) في بدائع الزهور ١/ ١/ ٣٩٨: الخبر بدون ذكر المبلغ الذي أخذه الخليفة من السلطان لاجين.
(٢) خنجر معقوف شبيه بالسيف الصغير أو القصير. (تكملة المعاجم العربية، دوزي، ١٠/ ٣١٢).

<<  <   >  >>