للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا الكلام الغليظ، وسمّى فعله رغوباً عن السنة، فما ظنك بغير هذا من البدع؟ وما ظنك بغير الصحابة؟

[الشرح]

عقد المصنف هذا الباب لبيان مشروعية مجادلة المخالفين للحق؛ والبراءة منهم، سواءٌ كانوا من أهل الملل السابقة؛ كاليهود والنصارى، أو كانوا ممن خرج عن السنة، كالخوارج والمتنطعين، والنكير عليهم. وذكر فيه آيتين، وحديثين:

الآية الأولى: قوله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ هذا نكير من الله تعالى على اليهود والنصارى؛ فإن كلًا من الطائفتين انتحلت إبراهيم ، فقالت اليهود: كان إبراهيم يهوديًا، وقالت النصارى: كان نصرانيًا! وتلك مزاعم صلعاء ساقطة، لسبب بيِّن واضح، وهو أن اليهودية التي تنمي نفسها إلى موسى والتوراة، والنصرانية التي تنمي نفسها إلى عيسى والإنجيل، إنما ظهرتا بعد إبراهيم بزمن طويل. قال ابن كثير : (أَيْ: كَيْفَ تَدّعُون، أَيُّهَا الْيَهُودُ، أَنَّهُ كَانَ يَهُودِيًّا، وَقَدْ كَانَ زَمَنُهُ قَبْلَ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَكَيْفَ تَدّعُون، أَيُّهَا النَّصَارَى، أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا، وَإِنَّمَا حَدَثَتِ النَّصْرَانِيَّةُ بَعْدَ زَمَنِهِ بِدَهْرٍ) (١).، ولما كان الأمر مدركًا ببداهة العقول، ختم الآية بقوله: ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾، ثم أردفها بقول مقنع: ﴿هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ٦٦]، فسوَّغ لهم أن يحاجوا فيما لديهم فيه أثارة من علم، وأنكر عليهم التخوض فيما لا علم لهم به. وهذا من أصول المناظرة، وقواعد الحجاج. ثم أتبعها بالحق الدامغ،


(١) (تفسير ابن كثير ت سلامة (٢/ ٥٧)

<<  <   >  >>