قوله:«فغضبت اليهود والنصارى، وقالوا: ما لنا أكثر عملاً وأقل أجراً؟ قال: هل نقصتكم من حقكم شيئاً؟ قالوا: لا، قال: ذلك فضلي أوتيه من أشاء» فلا وجه لاعتراضهم، فقد عاملهم بالقسط، وعامل أمة محمد بالفضل. وهذا محل الشاهد.
[فوائد الحديث]
١ - فضل الإسلام، وأهله، فقد آتاهم الله ضعف ما آتى أهل الكتاب.
٢ - فضل النصارى على اليهود؛ لأنَّهم عملوا أقل زمناً، ونالوا مثلهم من الأجر.
٣ - ضرب الأمثال الحسية التي تقرِّب المسائل المعنوية إلى الأذهان، فينبغي للعالم أن يستعمل هذا الأسلوب الأمثال في تعليمه، ودعوته. وضرب الأمثال كثير في القرآن، كما قال الله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٣].
٤ - وجوب العلم بالثمن والمثمن في العقود والمعاوضات، وانتفاء الجهالة.
٥ - أن أساس العقود التراضي بين المتعاقدين.
٦ - الرد على المعتزلة الذين يقولون: بوجوب فعل الأصلح أو الصلاح على الله ﷿، فهذا الحديث يُبيِّن أن الأمر متعلق بمحض فضله ومشيئته، فالله ﷾ أعطى الأولين قيراطًا، وأعطى هذه الأمة قيراطين. ومقتضى مذهب المعتزلة أنَّ ذلك من باب المقايضة، فيجب على الله -بزعمهم- التسوية، وهذا من سوء الأدب مع الله ﷿، فهذا الحديث ينقض ما ذهبوا إليه، ففيه حجة لأهل السنة: أنَّ الثواب من الله على سبيل الإحسان منه؛ كما قال النبي ﷺ:«لن ينجي أحداً منكم عمله» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال:«ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة»(١)، وأما العمل فسبب لرحمته وجنته،
(١) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل برقم (٦٤٦٣) ومسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله برقم (٢٨١٦).