للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الشرح]

حديث حذيفة في الفتن، حديث عظيم تُفرَد له مجالس، وتصنف فيه شروح. وقد كان حذيفة بن اليمان معنياً بأمر الفتن، والسؤال عنها، وكان النبي يمدُّ له في الجواب لما علم من حرصه على هذا الباب، ومن أتم أحاديث الفتن هذا الحديث.

قوله: «وفيه دخن» الدخن هو ما يعتري الشيء ويغشاه من الكدورة، بمنزلة الدخان من النار.

قوله: «قوم يستنون بغير سنتي، ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر» هذا محل الشاهد من الحديث، وهم أهل الأهواء والبدع المخلطين. ونقل الحافظ ابت حجر عن القاضي عياض قوله: (الْمُرَادُ بِالشَّرِّ الْأَوَّلُ: الْفِتَنُ الَّتِي وَقَعَتْ بَعْدَ عُثْمَانَ. وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الَّذِي بَعْدَهُ: مَا وَقَعَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَالْمُرَادُ بِالَّذِينَ تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ: الْأُمَرَاءُ بَعْدَهُ فَكَانَ فِيهِمْ؛ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالسُّنَّةِ وَالْعَدْلِ، وَفِيهِمْ مَنْ يَدْعُو إِلَى الْبِدْعَةِ، وَيَعْمَلُ بِالْجَوْرِ. قُلْتُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرِّ الْأَوَّلِ: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنَ الْفِتَنِ الْأُولَى، وَبِالْخَيْرِ مَا وَقَعَ مِنَ الِاجْتِمَاعِ مَعَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، وَبِالدَّخَنِ: مَا كَانَ فِي زَمَنِهِمَا مِنْ بَعْضِ الْأُمَرَاءِ؛ كَزِيَادٍ بِالْعِرَاقِ، وَخِلَافِ مَنْ خَالَفَ عَلَيْهِ مِنَ الْخَوَارِجِ، وَبِالدُّعَاةِ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ: مَنْ قَامَ فِي طَلَبِ الْمُلْكِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ. وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ الْزَمْ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ يَعْنِي وَلَوْ جَارَ) (١).

وعبارة النبي وصف دقيق يتناول كل من حاد عن السنة، ورغب عن الهدي النبوي، فيدخل في ذلك المتكلمون، الذين اعتمدوا المنطق اليوناني في تقرير العقائد، واعتمدوا مقدمات عقلية مشوبة، فأصابوا، وأخطأوا، وتركوا طريقة السلف في الاعتصام بالكتاب والسنة.


(١) (فتح الباري: (١٣/ ٣٦)

<<  <   >  >>