ثُمَّ ماذا يقولُ هذا المُعتَدِي على الأئمَّة فيما فَعلَهُ الدَّارَقُطنِيُّ مثلًا في كتابَيه "الإلزامات" و "التَّتَبُّع"، من إلزام الشَّيخين، وتعقُّبِهِما في أحاديثَ في "صحيحَيهما". وأنا أخشى لو كان حيًّا أن يَقُولَ: تعقَّبَهُما للشُّهرة، وإلَّا لو صَوَّبَ صَنِيعَهُ لنَقَضَ قولَه: إنَّه مُقَلِّدٌ للبُخاريِّ، أو لغيرِه ممَّن سَبَقُوه.
وقد رأيتُهُ رَدَّ كلامًا للنَّسائِيِّ، وأبي حاتمٍ، وأبي زُرعَة وغيرِهم، بعبارَةٍ خَشِنَةٍ؛ لأنَّ ابنَ مَعِينٍ، وأحمدَ سَبَقُوا إلى جرحِ راوٍ، وافَقَهُمَا عليه هؤُلاء الأئمةُ، وقال: هُم مُقَلِّدُون لَهُما. وإنَّما أُتِيَ مِن كَونِهِ لا يَعرِف أقدارَ الأَئِمَّة المُتقَدِّمِين، وليس عِندَهُ خَبرٌ بسِعَةِ عِلمِهم، وهذا رُبَّما يُشِير إلى ما عِندَه مِن بَأْوٍ، وإِنَّما "يَعرِف الفضلَ لأهل الفَضلِ ذَوُو الفَضلِ".
فهذا الرَّجُل غريبٌ جدًّا في أطواره، لا يُراعِي لأحدٍ يُخالِفه حُرمةً، ونادرًا ما يَعتَرِفُ لمخالِفِه بالفضلِ في شيءٍ إذا غَضِب عَلَيه. نعوذُ بالله من الخُذلَان.
* الرَّابع: قولُه عن تَفَرُّد مُحمَّدِ بنِ عبد الله بن حَسَنٍ: "وهَبْ أنَّه لم يُتابِعه أحدٌ، فماذا يضُرُّه؟! وكم خرَّج البُخارِيُّ في "صحيحه" لأفرادٍ لم يُتابِعهم أحدٌ" ا. هـ.
فَهذا القولُ يُنبِيْكَ عن عِلمِ الغُمارِيِّ. فهل يقولُ عالمٌ: إنَّ الرُّواةَ على دَرَجةٍ واحدةٍ من الضَّبط والإِتقانِ، بحيثُ يُقبَلُ تفرُّدُ كلِّ ثِقةٍ، ولو قَبِل تفرُّدَ بعضِ الرُّواة، ورَدَّ البعضَ الآخرَ عُدَّ متناقضًا؟!
فالبُخارِيُّ مثلًا إذا قَبِلَ تفرُّدَ راوٍ، وأَدخله في "كتاب الصَّحيح"، فلا بُدَّ أن يكون الحديثُ محفوظًا عنده، وهو محفوظٌ عند سائر العُلماء الذين جاءُوا بعدَه، وقَرَؤُوا "صحيحه"؛ إذْ لم يتعقَّبُوه في هذا. فهل نُسَوِّي بين