تَفرُّدِ الرَّاوي في أحد "الصَّحيحين"، وبين وُجود الحديث في كتابٍ آخرَ لإمامٍ لم يَدَّع الصِّحَّة في كتابه كالشَّيخين، أمثالِ أصحابِ السُّنَن، وغيرِهم؟! وكَم من أحاديثَ رَدَّها البُخاريُّ ومُسلِمٌ وغيرُهما لأئمَّةٍ كبارٍ، كمالكٍ، والسُّفيانَينِ، والحَمَّادَين، ومَعمَرٍ، وغيرِهم من الثِّقات، وقالوا: وَهِمَ فيه فلانٌ، مع أنَّه من جِبال الحِفظ. فهل يعني أنَّ البُخاريَّ إذا خرَّج رواياتٍ لرواةٍ انفَرَدُوا بأحاديثَ، أَن أُلزِمَهُ بأن يَقبَل تفرُّدَ كُلِّ راوٍ ثقةٍ، وإلَّا عُدَّ مُتناقِضًا؟!
أمَّا كلامُهُ عن "نَصَب" البُخارِيِّ، وأنَّه يَروِي عن "أعداء" أهل البَيتِ، في الوقت الذي تَجَنَّب الرِّواية عن أكابِرِهم، فلا نُسَوِّدُ وجه القِرطَاسِ بالرَّدِّ عليه، إذ المِدادُ أغلى مِن أَن نُهدِرَهُ في رَدِّ هذا الهَذَيَان، بل الكَذِبِ الصُّرَاحِ على البُخارِيِّ، والأَمرُ كما قال الله تعالى:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، وكما قال أبو العَتاهِيةِ:
إِلَى دَيَّانِ يَومِ الدِّينِ نَمضِي … وَعِندَ الله تَجتَمِعُ الخُصُومُ
* الخامس. أنَّه دفع تعليلَ البُخَارِيَّ بتفرُّد مُحمَّد بن عبد الله، فقال:"لم ينفرد به؛ فتابعه عبدُ الله بن سعيدٍ المَقبُرِيُّ، عن أبيه، عن أبي هُريرَةَ".
وأنا مُضطرٌّ هنا أن أَذكُر ما يعرفه صبيان المُتعلِّمين، أنَّ هذه ليست متابعةً. ومُحمَّدُ بنُ عبد الله بن حسنٍ إنَّما يرويه عن أبي الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هُريرَة. بينما عبدُ الله بنُ سعيدٍ يرويه عن سعيدٍ المَقبُرِيِّ، عن أبي هُريرَة. فهذان إسنادان مُختَلِفان عن أبي هُريرَة. فحتَّى يتمَّ ردُّ تعليلِ البُخَارِيِّ، لا بدَّ أن تكون المتابَعةُ لمُحمَّدٍ تامَّةً، فيرويه عبدُ الله بنُ