للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فعل الحنفيَّة مع المُحدِّثين، لمَّا جَرَحوا أبا حنيفة، ورَمَوهُ بسوء الحِفظ.

* الثَّالثُ: أنَّه أساء الأدبَ في خطابِه الأئمَّةَ، فهو يَزعُم أنَّ التِّرمِذِيَّ، والدَّارَقُطنِيَّ قلدا البُخارِيَّ في حُكمه، وهو يُكَرِّر هذا القولَ السَّاقطَ في جميع كُتُبه تقريبًا، وبكثرةٍ ملحوظةٍ في كتابه "المُداوِي" خاصَّةً. والرَّجُل كان يَدَّعي الاجتهادَ -ولا أدري إن كان المُطلَقَ أم لا؟! -، وكان يُحارِب التَّقليدَ حربًا لا هَوَادَةَ فيها، حتَّى أنَّه كان إذا تناول هذه المسألةَ حصل له ما يُشبِه الهَذَيَانِ إذا تكلَّم. وهو معذورٌ في أصل المسألة؛ لأنَّه وجد أنَّ رَانَ التَّقليدِ قد ضَرَبَ بِجِرَانِهِ على أُمَّتِنا من قرونَ طويلةٍ، ووجد عُلماءَ كبارًا كانوا يتجَلَّدُون حقَّ الجَلَادة في اتِّباع الأئمَّة، مع أنَّ دليلَ المُخالِف ظاهرُ الرُّجحان، لكنَّه يتمَحَّلُ في تأويله، ثُمَّ جاء بَعدَهُم عُلماءُ، لكنَّهم ليسوا كبارًا، بل يُشبِهُون أهل زمانهم، فتَعَبَّدُوا بالتَّقليد، وأنَّه لا يجُوزُ لأحدٍ أن يُخالِف إمامَه، وفَرَّعُوا مسائلَ على ذلك، وأنَّ الحَنَفيَّ مَثَلًا، أو غيرَه مِن مُتَّبِعِي المذاهب، إذا خالف مذهَبَهُ في مسألةٍ، إلى خِلَافِها في مذهبٍ آخرَ لرُجحان الدَّليل، هل يَبقَى حَنَفِيًّا أم لا؟ وتَجِدُ هذا الكلامَ في الكُتُب التي تُعنَى بالفتوى وأحكامها، في سلسِلَةٍ طويلةٍ من التَّفريعات، بعضُها مُثيرٌ للغَيظِ حقًّا. وجد الغُماريُّ القِصَّةَ هكذا، فانبَرَى يُحارِبهُا -وهو عَصَبيُّ المِزاج بطبعِهِ-، فتَفَوَّه بكلامٍ جارحٍ جدًّا، مَسَّ به علماءَ كبارًا، لمُجرَّد أنَّه فَهِم من كلامِهم ما يُخالِف فَهمَهُ. وخُذ هذه المسألةَ التي نُناقِشُها الآن مثلًا على ذلك. فهو يَدَّعِي أنَّ التِّرمِذيَّ، والدَّارَقُطنِيَّ قلَّدَا البُخارِيَّ في حُكمِه على مُحمَّد بن عبد الله بن حَسَنٍ، مع أنَّ البُخارِيَّ، ومعه الإمامان، لم يَحكُمَا عليه، إنَّما