للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومن الغرائب أنَّ الغُمَارِيَّ، مع حِرصِه على تعقُّب المُنَاوِيِّ في الذَّرَّة ومِثقالِ الذَّرة، لم يتعقَّبهُ في هذا؛ حتَّى يتسَنَّى له أن يَغمِز البُخارِيَّ، كما رأيتَ في كلامِه. والأغربُ من هذا، أنَّه نَقَلَ كلامَ البُخَارِيِّ بنصِّه من كتاب "التَّاريخ الكبير"، إذ قال: "لا يُتابَع عليه، ولا أدري: سمع من أبي الزِّناد، أم لا"، فالبُخارِيُّ أعلَّ الحديثَ بعِلَّتين: الأولى: أنَّ مُحمَّدَ ابنَ عبدِ الله بنِ حَسَنٍ لم يُتابَعْ عليه، والثَّانية: توقُّفُه في صِحَّة سماعه من أبي الزِّناد. إذن، فألمسألة مُتعلِّقَةٌ بالرِّواية.

أمَّا الرَّاوي، فإنَّ رِوايتَه لا تَخرُج عن ثلاثة أنواعٍ: إمَّا أن يُتابَعَ، وإمَّا أن يُخالَفَ، وإمَّا أن يتفرَّدَ. وكلامُنَا هنا عن النَّوع الثَّالث، وهو التَّفرُّدُ. فحُكْمُ العُلماء أنَّ المتفرِّد إذا كان ضابطًا حافظًا، وتفرَّدَ عن شيخٍ، أنَّ تفرُّدَه مقبولٌ، ما لم يَقُم دليلٌ على وَهَمِهِ. ومُحمَّدُ بنُ عبد الله بن حسنٍ وثَّقَه النَّسائيُّ، وابنُ حِبَّان، ولا نعلم أحدًا جَرَحَه فيما يتعلَّقُ بالرِّواية، ولكنَّه كان مُقِلًّا، ولم يَجرَحهُ البُخاريُّ، ولا التِّرمِذِيُّ، ولا الدَّارَقُطنِيُّ، فما معنى قولِ هذا المُعتَدِي على الأئمَّةِ، الواقفِ على عتبات الرَّفضِ: إنَّ البُخاريَّ متحاملٌ على أهل البيت، ويُرَى منه "رائحةُ نَصَبٍ"؟!

* الثَّاني: سلَّمنا أنَّه جَرَحه، فهل يقول عاقلٌ: إنَّ هذا من العداء لأهل البَيت؟! وهل كلُّ من انتسب من المُتأخِّرين، على توالي القرون، لأهل البَيت من الثِّقاتِ العُدولِ، أم فيهم ضعفاءُ ومتروكون، بل وكذَّابُون؟! وعلى هذا، يُرَدُّ على كُلِّ الأئمة أقوالُهم في الرُّواة، فإذا جَرَح أحدٌ النُّقَّادِ راويًا ينتمي إلى مذهبٍ ما، قيل له: أنت مُتحامِلٌ عليه، كما