للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهو سبحانه بائن عن المخلوقات، منفصل عنها، ليس هو حالاً فيها، ولا متحداً بها؛ فبهذا التفصيل يزول الاشتباه والتضليل" (١).

ويحسن بنا هنا أن نذكر ما قاله ابن أبي العز (٢) وابن القيم -رحمهما الله -حول هذه الشبهة، حيث قال ابن أبي العز الحنفي -رحمه الله-: «وليس تشبيه رؤية الله تعالى برؤية الشمس والقمر تشبيهاً لله، بل هو تشبيه الرؤية بالرؤية، لا تشبيه المرئي -وهو الله- بالمرئي -وهو الشمس والقمر-، ولكن فيه دليل على علو الله على خلقه؛ وإلا فهل تعقل رؤية بلا مقابلة! ومن قال: يرى لا في جهة فليراجع عقله! فإما أن يكون مكابراً لعقله، أو في عقله شيء، وإلا فإذا قال: يرى لا أمام الرائي، ولا خلفه، ولا عن يمينه ولا عن يساره ولا فوقه ولا تحته رد عليه كل من سمعه بفطرته السليمة.

ولهذا ألزم المعتزلة من نفى العلو بالذات بنفي الرؤية، وقالوا: كيف تعقل رؤية بغير جهة» (٣).

وقال ابن القيم -رحمه الله-: «إخباره تعالى عن نفسه، وإخبار رسوله عنه أن المؤمنين يرونه عياناً جهرة كرؤية الشمس في الظهيرة والقمر ليلة البدر، والذي تفهمه الأمم على اختلاف لغاتها وأوهامها من هذه الرؤية رؤية المقابلة والمواجهة التي تكون بين الرائي والمرئي فيها مسافة محدودة غير مفرطة في البعد فتمتنع الرؤية ولا في القرب فلا تمكن الرؤية، لا تعقل الأمم غير هذا، فإما أن يروه سبحانه من تحتهم - تعالى الله - أو من خلفهم أو من أمامهم أو عن أيمانهم أو عن شمائلهم أو من فوقهم، ولا بد من قسم من هذه الأقسام إن كانت الرؤية


(١) مجموع الفتاوى (٦/ ٣٩ - ٤٠)، وانظر: منهاج السنة النبوية (٢/ ٣٥٠ - ٣٥٨).
(٢) علي بن علي بن محمد بن أبي العز، الحنفي الدمشقيّ: فقيه. كان قاضي القضاة بدمشق له كتب، منها: التنبيه على مشكلات الهداية، شرح الطحاوية، (ت:٥١٣ هـ). انظر: الدرر الكامنة (٤/ ١٠٣)، الأعلام للزركلي (٤/ ٣١٣)، معجم المؤلفين (٧/ ١٥٦).
(٣) شرح الطحاوية (ص:١٦٠).

<<  <   >  >>