للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حقاً، وكلها باطل سوى رؤيتهم له من فوقهم كما في حديث جابر الذي في المسند وغيره (بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور، فرفعوا رءوسهم، فإذا الجبار قد أشرف عليهم من فوقهم، وقال: يا أهل الجنة سلام عليكم ثم قرأ قوله: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس:٥٨]، ثم يتوارى عنهم، وتبقى رحمته وبركته عليهم في ديارهم) (١)، ولا يتم إنكار الفوقية إلا بإنكار الرؤية، ولهذا طرد الجهمية أصلهم وصرحوا بذلك، وركبوا النفيين معاً، وصدق أهل السنة بالأمرين معاً، وأقروا بهما، وصار من أثبت الرؤية ونفى علو الرب على خلقه واستواءه على عرشه مذبذباً بين ذلك، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء» (٢).

رابعاً: أن إثبات رؤية المؤمنين لربهم بلوازمها اللازمة لها، لا يقتضي تمثيلاً ولا تشبيهاً لله بخلقه، إذ إن رؤية الخالق ليست كرؤية المخلوق، فكما أنه لا يجب استواء ذات الله في حقيقتها وماهيتها وذوات المخلوقات المحدثات، فكذلك لا يجب استواءهما في اللوازم؛ فإنه لا يصح عقلاً ولا شرعاً قياس الخالق بالمخلوق، ولا قياس صفاته بصفات خلقه، وإنما وقع القوم فيما وقعوا فيه من جهة هذا القياس الفاسد.

وهذا الموضوع مبسوط في مظانه بكثرة، وإنما المراد الإشارة إلى بطلان هذه الشبهة، ويكفي في الدلالة على ذلك قوله تعالى مع ما أثبته لنفسه من الأسماء الحسنى والصفات العلى ورؤية المؤمنين له: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] (٣).

وبهذا يتبين بطلان المقدمة الثانية، التي زعموا فيها استحالة هذه اللوازم في


(١) رواه ابن ماجه (١٨٤)، الدينوري في المجالسة (٢٢٢٣)، الآجري في الشريعة (٦١٥)، الدارقطني في رؤية الله (٥١)، من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- وضعفه الألباني في المشكاة (٥٦٦٤) وضعيف الجامع (٢٣٦٣).
(٢) إعلام الموقعين عن رب العالمين (٢/ ٢١٧).
(٣) انظر: التدمرية (ص:٣٩ - ٤٠)، درء تعارض العقل والنقل (٧/ ٥٩، ٩٥).

<<  <   >  >>