ودراسة هذه المسألة ومناقشة هذه الشبهة من وجهين اثنين:
[الوجه الأول: بيان أصل الشبهة]
يبدو أن أصل الشبهة عند من طرح هذه المسألة: هي ظنه أن المعتقد الذي نص عليه شيخ الإسلام في الواسطية: من إثبات صفات الباري عز وجل. إنما هو مذهب اختص به الإمام أحمد دون غيره من علماء الأمة كافة، وأئمة المذاهب الأربعة خاصة، حتى آل الأمر بكثير من الحنابلة إلى القول بالتشبيه والتجسيم، وذلك لكثرة النصوص الواردة عن الإمام أحمد في إثبات الصفات والرد على منكريها ومحرفيها، واشتهار الحنابلة بذلك، بخلاف أتباع المذاهب الثلاثة الذين انتشرت فيهم مذاهب المتكلمين أكثر، من تعطيل الصفات وتحريفها، وأصبح أكثر المنتسبين لها على مذهب المعطلة: من جهمية وكلابية وأشاعرة وماتريدية.
وقد بين شيخ الإسلام -رحمه الله- أن هذه التهمة -أي التشبيه والتجسيم- لم تقتصر على الحنابلة فقط، بل إن أهل البدع يطلقونها على جميع مثبتة الصفات من أهل السنة والحديث، وإنما اشتهرت النسبة لأحمد دون غيره؛ لما كان عليه رحمه الله من إمامةٍ لأهل السنة، ووقوف في وجه أهل الكلام والبدعة، ورفعهِ لراية الإثبات ورده على معطلة الصفات.
قال شيخ الإسلام:«لكن لما جرت محنة الجهمية نفاة الصفات، وسموا من أثبتها مجسماً في عهد الإمام أحمد، وقالوا: إن القرآن مخلوق، وحقيقة ذلك أن الله لم يتكلم بشيء. وقالوا: إنه لا يُرى، ونحو ذلك -قام أحمد بن حنبل من إظهار السنة والصفات، وإثبات ما جاء في الكتاب والسنة من هذا الباب بما لم يحتج إليه غيره من الأئمة، وظهر ذلك في جميع أهل السنة والحديث من جميع الطوائف، وصاروا متفقين على تعظيم أحمد وجعله إماماً للسنة، فصار يظهر في أصحابه من الإثبات ما لا يظهر في غيرهم، بسبب كثرة نصوصهم في هذا الباب، والنفاة يسمون المثبتة مجسمة ومشبهة»(١).