للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاتحادية القائلون بالاتحاد المقيد المعين لا المطلق، فيناقش شيخاً من شيوخهم يعتقد أن الله قد نطق على لسان الحلاج (١) بعد فنائه عن نفسه واتحاد الحق سبحانه به.

[نص المناظرة]

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «وقد خاطبني مرة شيخ من هؤلاء في مثل هذا، وكان ممن يظن أن الحلاج قال: (أنا الحق)؛ لكونه كان في هذا التوحيد.

فقال: الفرق بين فرعون والحلاج: أن فرعون قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:٢٤]، وهو يشير إلى نفسه. وأما الحلاج فكان فانياً عن نفسه، والحق نطق على لسانه.

فقلت له: أفصار الحق في قلب الحلاج ينطق على لسانه كما ينطق الجني على لسان المصروع؟! وهو سبحانه بائن عن قلب الحلاج وغيره من المخلوقات، فقلب الحلاج أو غيره كيف يسع ذات الحق؟! ثم الجني يدخل في جسد الإنسان ويشغل جميع أعضائه، والإنسان المصروع لا يحس بما يقوله الجني ويفعله بأعضائه، لا يكون الجني في قلبه فقط، فإن القلب كل ما قام به فإنما هو عرض من الأعراض، ليس شيئاً موجوداً قائماً بنفسه، ولهذا لا يكون الجني بقلبه الذي هو روحه» (٢).

وقال -رحمه الله- أيضاً: «وجاء إلينا شخص كان يقول: إنه خاتم الأولياء فزعم أن الحلاج لما قال: (أنا الحق)، كان الله تعالى هو المتكلم على لسانه، كما يتكلم الجني على لسان المصروع، وأن الصحابة لما سمعوا كلام الله تعالى من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان من هذا الباب؛ فبينت له فساد هذا، وأنه لو كان كذلك كان


(١) هو أبو مغيث الحسين بن منصور البيضاوي الفارسي الحلاج، أحد أئمة الاتحادية، وله كثير من الأقوال الكفرية، نشأ بتستر وخالط الصوفية وزعم أن الله حل فيه، فأمر الخليفة المقتدر بصلبه وقتله سنة (٣٠٩ هـ) ـ وسيأتي مزيد توضيح لحاله أثناء الدراسة. انظر: تاريخ بغداد (٨/ ١١٢ - ١٤١)، سير أعلام النبلاء (١٤/ ٣١٣ - ٣٥٤).
(٢) منهاج السنة (٥/ ٣٧٩).

<<  <   >  >>