للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: أنهم إنما أردوا بنفي الجهة نفي علو الله الثابت بالكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة، فكل دليل يثبت علو الله سبحانه -وهي أكثر من أن تحصر- فهو حجة على هؤلاء، ولولا ظهور هذه القضية وشدة وضوحها، وخشية الإطالة في غير موضعها، لسقت النصوص الكثيرة التي تدل على علو الله على خلقه سبحانه وتعالى، وتثبت الجهة بالمعنى الذي أراد هؤلاء نفيه، ويكفينا القول بأن كل رد على نفاة العلو وكل نص في إثباته، وكل دليل عقلي أو سمعي أو فطري عليه، فهو يمثل رداً مفحماً على نفاة الرؤية بحجة تنزيه الله عن الجهة والتحيز (١).

الثالث: أن يقال لقائل هذا الكلام: لفظ الجهة مجمل فما تعني بقولك: أنه يلزم من إثبات الرؤية أن تكون في جهة؟

فإما أن تريد بها أمراً وجودياً، أي أن كل ما يرى لا بد أن يكون في جهة موجودة أي حالّاً في موجود آخر، فهذا باطل وليس بلازم، فإن سطح العالم يُمكن أن يُرى وليس العالم في عالمٍ آخر.

وإما أن تريد بالجهة أمراً عدمياً: أي أن كل ما يُرى لا بد أن يكون فيما يسمى جهة ولو معدوماً؛ فإنه إذا كان مبايناً للعالم سمي ما وراء العالم جهة، وعلى هذا التفسير لا تكون الجهة ممتنعة بل هي الحق الذي يجب إثباته (٢)، فإن "قال: لأنَّ ما باين العالم ورُئي لا يكون إلا جسماً أو متحيزاً؛ عاد القول إلى لفظ الجسم والمتحيز كما عاد إلى لفظ الجهة. فيقال له: المتحيز يراد به ما حازه غيره.

ويراد به ما بان عن غيره فكان متحيزاً عنه، فإن أردت بالمتحيز الأول؛ لم يكن سبحانه متحيزاً؛ لأنه بائن عن المخلوقات، لا يحوزه غيره، وإن أردت الثاني؛


(١) انظر: درء التعارض (١/ ١٤٠)، التسعينية (٢/ ٥٤٥)، الفتوى الحموية (ص:٢٠١ - ٢٢٥)، مسألة في العلو ضمن جامع المسائل (٣/ ١٩٣ - ٢٠٢)، مجموع الفتاوى (٥/ ١٣ - ٢٤) ومجموعة الرسائل والمسائل (١/ ٢٤٧ - ٢٦٢).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (٦/ ٣٩ - ٤٠)، ومنهاج السنة النبوية (٢/ ٣٤٨ - ٣٤٩)، درء التعارض (٢٣٩ - ٢٤٠).

<<  <   >  >>