للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التنور من بعد ثلاثة أيام من وقود النار فيه.

فقال له: أنا ما أكلفك ذلك ولكن دعني أضع هذه الطوافة (١) في ذقنك.

فجزع ذلك الفقير وأبلس.

قلت: وقد نقل الشيخ -رحمه الله تعالى- هذا من قول بعض الشعراء في النار التي يزعم النصارى أنها تنزل يوم سبت النور من السماء إلى القمامة بالقدس (٢):

لقد زعم القِسِّيسُ أنَّ إلههُ … ينزّل نورًا بكرة اليوم أو غدِ

فإن كان نورًا فهو نورٌ ورحمةٌ … وإن كان نارًا أحرقت كلَّ معتدِ

يُقَرِّبُها القسيسُ من شعر ذقْنهِ … فإن لم تحرقها وإلا اقطعوا يدي» (٣)

[المطلب الثاني: دراسة أهم المسائل العقدية في المناظرة]

في هذه المناظرة أراد هذا الرفاعي أن يظهر شيئاً مما يدعونه من مخاريق وكرامات، وأحوال وإشارات، يحتالون فيها بأنواع الحيل ليخدعوا بها العوام والفلاحين، والضعاف والمساكين، والجهلة من الأمراء والمتفقهين، ولكنه فوجئ بجواب شيخ الإسلام الذي أبهته وأسكته، وما ذلك إلا لخبرة شيخ الإسلام بأقوالهم وأحوالهم، كيف لا، وهو القائل: «كل من خالفني في شيء مما كتبته، فأنا أعلم بمذهبه منه» (٤)؟!

فلما عرض عليه هذا الأحمدي قدرته على دخول التنور وعدم الاحتراق به، وذلك بعد ثلاثة أيام من تسجيره واتقاده، رد عليه شيخ الإسلام رداً مفحماً، بأن طلب منه السماح له بما هو أسهل من ذلك وأسرع، وأقل أثراً وضرراً، فإن قدر عليه كانت هذه قرينة على صدقه فيما فوقه، وإن عجز عن هذا الفعل البسيط فهو


(١) طَوَّافَة: مشعل يطاف على ضوئه في الطرقات ليلاً، وفي محيط المحيط: الفتيلة الموقدة يطاف على نورها ليلاً. انظر: تكملة المعاجم العربية (٧/ ٩٣).
(٢) أعظم كنيسةٍ للنصارى وهي في بيت المقدس، انظر "معجم البلدان": (٤/ ٣٩٦).
(٣) الوافي بالوفيات (٧/ ١٣).
(٤) مجموع الفتاوى (٣/ ١٣٦).

<<  <   >  >>