للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسلك الثالث: الأجوبة التفصيلية عن أهم شبههم]

كان أهم ما اعترض به الرازي على دلالة الفطرة على العلو: شبهتان اثنتان سبق ذكرهما، وقد تبين فيما سبق الرد الإجمالي عليهما، ونذكر هنا أهم الردود التفصيلية التي رد بها شيخ الإسلام على هاتين الشبهتين الفاسدتين:

الجواب على الشبهة الأولى: وهي احتجاجهم بأن الجمع العظيم قد اتفقوا على إنكار العلو فكيف يكون مع هذا أمرا بديهياً، وإنما هو قول الكرامية والحنابلة فحسب:

١) أن هذا الكلام باطل وعكسه هو الصحيح، فجماهير الخلائق يخالفون هؤلاء، ولم يعرف هذا القول إلا عن الجهمية كالمعتزلة ومتأخري الأشاعرة ونحوهم، ومن وافقهم من بعض الفلاسفة، وأما المنقول عن أكثر الفلاسفة فهو قول أهل الإثبات كما نقله ابن رشد الحفيد (١) عنهم، وهو من أعظم الناس معرفة بأقوالهم وانتصارا لهم (٢).

٢) إن من أعظم ما يبطل هذا الكلام أن متقدمي أهل الكلام وأئمتهم الذين تلقى نفاة العلو مذهبهم عنهم، هم أنفسهم على نقيض أقوال النفاة، فيصرحون بعلو الله على خلقه، بل ويحكون الإجماع على ذلك، ويردون مقالة نفاة العلو كما فعل ذلك أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب وأبو الحسن الأشعري وأئمة أصحابه، وقد نقل أقوالهم كلها شيخ الإسلام في معرض رده على الرازي في كتابه العظيم "درء تعارض العقل والنقل" بل حتى الفلاسفة الذين بنى أهل الكلام


(١) هو محمد بن أحمد بن محمد القرطبي، ابن رشد الحفيد، فيلسوف الوقت، كان متقدِّمًا في علوم الفلسفة والطبِّ، وله باع في الفقه، وأغرق في الفلسفة فضاع، مما قيل عنه: إنه ما ترك الاشتغال مذ عقل سوى ليلتين: ليلة موت أبيه، وليلة عرسه، له مصنفات منها: كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد، وكتاب الكليات في الطب، (ت:٥٩٥ هـ). انظر: السير (٢١/ ٣٠٧)، الديباج المذهب (٢/ ٢٥٩).
(٢) انظر: درء تعارض العقل والنقل (٦/ ٢٦٦، ١١٣).

<<  <   >  >>