للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بها لأجبتك) (١).

وقد تكون اليد بمعنى القدرة، تسمية للشيء باسم مسببه؛ لأن القدرة هي تحرك اليد، يقولون: فلان له يد في كذا وكذا، ومنه قول زياد (٢) لمعاوية: «إني قد أمسكت العراق بإحدى يدي، ويدي الأخرى فارغة» (٣)، يريد نصف قدرتي ضبط أمر العراق. ومنه قوله: {بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة:٢٣٧]، والنكاح كلام يقال، وإنما معناه أنه مقتدر عليه.

وقد يجعلون إضافة الفعل إليها إضافة الفعل إلى الشخص نفسه؛ لأن غالب الأفعال لما كانت باليد جعل ذكر اليد إشارة إلى أنه فعل بنفسه، قال الله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:١٨١]، إلى قوله: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} [آل عمران:١٨٢] أي: بما قدمتم، فإن بعض ما قدموه كلام تكلموا به. وكذلك قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [الأنفال:٥٠]، إلى قوله: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [الأنفال:٥١] والعرب تقول: (يَدَاك أوْكَتَا، وفُوكَ نَفَخ) (٤)؛


(١) رواه البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد (٢٧٣١)، وأحمد في مسنده (١٨٩١٠)، وابن هشام في مختصر السيرة (٢/ ٣١٣).
(٢) هو زياد بن أبيه: أمير، من الدهاة، القادة الفاتحين، الولاة من أهل الطائف، اختلفوا في اسم أبيه، فقيل عُبَيد الثقفي وقيل أبو سفيان، ولي لعلي بلاد فارس ثم ولي لمعاوية بلاد العراق، وذكروا في مناقبه وسياسته ودهائه الشيء الكثير. (ت:٣٥ هـ) انظر: السير (٦٩٤ - ٤٩٧)، الوافي بالوفيات (١٥/ ٦ - ٨).
(٣) رواه الطبري في تاريخه (٥/ ٢٨٨ - ٢٨٩)، والبيهقي في دلائل النبوة (٦/ ٤٧٧).
(٤) ذكره المفضل الضبي في أمثال العرب (ص: ١١٧)، وابن سلام في الأمثال (ص:٣٣١)، وأبو هلال العسكري في جمهرة الأمثال (٢/ ٢٤٣)، والهاشمي في الأمثال (١/ ٢٨٩) وقصته كما ذكرها من تقدم: أن قوماً كانوا في جزيرة من جزائر البحر في الدهر الأول، ودونها خليج من البحر، فأتاها قوم يريدون أن يعبروها فلم يجدوا معبراً، فجعلوا ينفخون أسقيتهم ثم يعبرون عليها، فعمد رجل منهم فأقلّ النفخ وأضعف الربط، فلما توسط الماء جعلت الريح تخرج حتى لم يبق في السقاء شيء، وغشيه الموت فنادى رجلا من أصحابه أن يا فلان إني قد هلكت. فقال: ما ذنبي (يداك أوكتا وفوك نفخ).

<<  <   >  >>