للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

توبيخًا لكل من جر على نفسه جريرة؛ لأن أول ما قيل هذا لمن فعل بيديه وفمه.

قلت له: ونحن لا ننكر لغة العرب التي نزل بها القرآن في هذا كله، والمتأولون للصفات الذين حرفوا الكلم عن مواضعه، وألحدوا في أسمائه وصفاته وآياته تأولوا قوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤]، وقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥] على هذا كله، فقالوا: إن المراد نعمته، أي: نعمة الدنيا ونعمة الآخرة، وقالوا: بقدرته، وقالوا: اللفظ كناية عن نفس الجود من غير أن يكون هناك يد حقيقة، بل هذه اللفظة قد صارت حقيقة في العطاء والجود، وقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥] أي: خلقته أنا، وإن لم يكن هناك يد حقيقية. قلت له: فهذه تأويلاتهم؟ قال: نعم. قلت له: فننظر فيما قدمنا:

المقام الأول: أن لفظ اليدين بصيغة التثنية لم يستعمل في النعمة ولا في القدرة؛ لأن من لغة القوم استعمال الواحد في الجمع، كقوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:٢] ولفظ الجمع في الواحد كقوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ} [آل عمران:١٧٣] ولفظ الجمع في الاثنين كقوله: {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم:٤]. أما استعمال لفظ الواحد في الاثنين، أو الاثنين في الواحد فلا أصل له؛ لأن هذه الألفاظ عدد وهي نصوص في معناها لا يتجوز بها، ولا يجوز أن يقال: عندي رجل، ويعني رجلين، ولا عندي رجلان، ويعني به الجنس؛ لأن اسم الواحد يدل على الجنس، والجنس فيه شياع، وكذلك اسم الجمع فيه معنى الجنس، والجنس يحصل بحصول الواحد.

فقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥] لا يجوز أن يراد به القدرة؛ لأن القدرة صفة

<<  <   >  >>